أشعر أن الهجوم المتعدد الأطراف الموجّه إلى وزارة العمل وشخص الوزير مجيد العلوي تحديدا فيه قدر كبير من التجنّي، وفيه نزعة إلى التهويل وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، ذلك أن هذا الغبار الكثيف المثار على الوزير يحمل معه رياح أهواء شخصية أو سياسية أو طائفية أحيانا.
يوجد بين ظهرانينا من يودّ التّكسب من خلال الهجوم على الوزارة والوزير من بوابة العاطلين وغيرها في مناسبة أو غير مناسبة، وأنا هنا لست في مقام الدفاع لا عن الوزارة ولا عن الوزير ولا أعفيهما عن المسئولية الوطنية والدستورية في توظيف العاطلين، ولكن بصراحة، الكل يدرك أن الوزير والوزارة ليسا مسئولين عن سياسة التمييز السياسي والطائفي والعرقي الذي تنتهجه بعض الأطراف الرسمية، فالتمييز غير المكتوب - في غالبية مؤسسات الدولة الحيوية - قرار لم يتخذه الوزير ولا أحسبه قادر على صدّه، لأنه ينبع من قناعة مترسبّة ومترسّخة لدى البعض بحرمان فئة من المواطنين من حقوقها.
وزارة العمل حققت إنجازات متميزة، تستحق الشكر والتقدير، ومنها المشروع الوطني للتوظيف (الذي ساهم في خفض عدد العاطلين إلى حد كبير من دون الحاجة هنا إلى الدخول في سجال الأرقام)، وصحيح أن بعض المهن أو كثير منها لا يناسب من تم توظيفهم فيها، ولكن من الضرورة بمكان إذا كنا ننظر إلى الأمور من زاوية أشمل أن ننظر بموضوعية إلى هذه المسألة، ويكفي أن نعرف أن هذا المشروع هوجم حتى من بعض المسئولين الذين سبحوا في بحر الفساد المالي والتمييز.
نعم، هناك تفاصيل كثيرة يمكن أن نختلف فيها مع وزارة العمل أو الوزير في إدارة مشروع التوظيف ومراحله والفئة المستهدفة وعدم صرف الموازنة المخصصة كاملة، ولكن كل ذلك لا يشكل مبررا لفتح جبهة صراع وهمية مع وزارة تعمل بطاقم جيد لحلحلة مشكلة البطالة التي هي من مخلفات البيرقراطية والفساد طوال عقود من الزمن.
الضجّة المثارة بشأن إلقاء بعض الأوراق الخاصة بمشروع التوظيف في القمامة مضخّمة، وما حدث تفاعلت معه الوزارة، هناك جهد حثيث من الوزارة في رفع الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع الخاص، وهناك عشرات الشركات والمؤسسات انضمت إلى برنامج تحسين الأجور الذي تمكّن من رفع رواتب الآلاف من الشباب البحرينيين في فترة وجيزة، وتمكن فعلا من تجاوز حاجز الـ200 دينار لدى الكثير من القطاعات، وفي الفترة الأخيرة قرأنا مشروعا شجاعا قدمه الوزير العلوي إلى مجلس الوزراء لرفع أجور العاملين في القطاع الخاص، وهناك مسعى حقيقي من الوزارة لوضع تشريع بشأن الحد الأدنى للأجور.
وحتى مشروع التأمين ضد التعطل مشروع شعبي أساسا، وما فعله الوزير العلوي أنه حوّل النضال الشعبي الكبير والطويل والممتد لسنوات طويلة بتوفير شبكة أمان للعاطلين إلى حيز الوجود، والقانون - وإن كنت أقف مع جبهة المعارضين لبند الاستقطاع الإجباري - إلا أن المسئولية المباشرة تأتي على عاتق من مرّر المشروع بهذا الشكل وليس من اقترحه فقط!
من يشنّون حرب داحس والغبراء على مجيد العلوي اليوم كانوا بالأمس القريب في فراشهم حين كان الشعب يواجه حملة القمع الأمني في التسعينات، وحتى بعد التسعينات كانوا أول من يقبل الخشوم، وينعمون من أموال الشعب ويعيبون على غيرهم تقلّد منصب وزاري، من أنتم ومن تكونون...وما هو تاريخكم، وماذا قدمتم للبحرين؟ والشعب ليس مغفلا حتى تستخدموه ستارا لحربكم.
نعم، ربّما الوزير العلوي هو أسهل ما يمكن قذه بالزبد الإعلامي، لأن البعض ربما يعتبره «الطوفة الهبيطة»، ولكن لا تقذف إلا الشجرة المثمرة. ونصيحتي القلبية لمن يحمل لواء الوطنية ومحاربة التمييز والفساد فليذهب إلى وزارات يعرفها الناس، وليمتلك من يثيرون الضباب الجرأة على فتح الملفات الحقيقية، وهل ستنطقون حينها ببنت شفة؟
لم أمتهن التصفيق للوزراء، ولكن ما أردت أن أقوله لأصحاب البطولات الوهمية، هو إحقاق لحق يراد أن يزهق، وأقول لكم: قليلا من العقل، قليلا من الرشد، «اعدلوا هو أقرب للتقوى»!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ