العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ

البيئة من أجل التنمية (2)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق تطور مفهوم العلاقة بين التنمية والبيئة، وبيّن أنه حتى فترة السبعينات من القرن الماضي كان التقدم في التنمية مرتبطا بعملية التنمية الصناعية، ويقاس أساسا بواسطة حجم النمو ومعدلاته في الأنشطة الاقتصادية، وأن الفكر السائد آنذاك كان يتمحور حول «البيئة أو التنمية»، وكان الكثير من صنّاع القرار والسياسيين ينظر إلى حماية البيئة على أنها معوق للتنمية وأن تحقيق هذه الأخيرة لابد أن يكون على حساب البيئة.

إلا أن هذا التفكير تغيّر بعد صدور تقرير «برنتلاند حول التنمية المستدامة» بعنوان «مستقبلنا المشترك» في العام 1987، ليتحول التركيز إلى «البيئة والتنمية» وبرز مبدأ «التنمية المستدامة»، وبدأت الدعوة إلى إنشاء التوازن بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة واستدامتها، والحث على النظر إلى استخدام الموارد الطبيعية بعقلانية لخدمة احتياجات الجيل الحالي من دون التضحية باحتياجات الأجيال القادمة.

ومع صدور أجندة القرن الحادي والعشرين للتنمية المستدامة - التي بنيت على مبادئ تقرير «برنتلاند» - والإعلان العالمي للألفية الصادر في العام 2000 وتبنيه من قبل قمة العالم للألفية في العام نفسه، ومع وضع الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) لتحسين مستوى معيشة الإنسان ورفاهيته، ومن ثم تبنيها في قمة العالم بشأن التنمية المستدامة في العام 2002، يمكن ملاحظة التحول الواضح والكبير في اهتمامات عملية التنمية المستدامة ليتركز في الإنسان نفسه وحقه في الحصول على حياة صحية ومنتجة والعيش في تناسق ومواءمة مع الطبيعة المحيطة به.

وإذا نظرنا إلى الأهداف الإنمائية للألفية الثمانية، وهي:

1. القضاء على الفقر المدقع والجوع.

2. تعميم التعليم الابتدائي.

3. تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

4. خفض معدل وفيات الأطفال.

5. تحسين صحة الحوامل.

6. مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا وغيرهما من الأمراض.

7. كفالة الاستدامة البيئية.

8. إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

فسنجد أنها عكست بشكل متكامل إطار التنمية البشرية، ووضعت الإنسان نفسه ورفاهيته في صلب اهتمامها. بمعنى آخر، تطورت الأفكار والمفاهيم عن عملية التنمية لتجعل «رفاهية الإنسان» العنصر المركزي في هذه العملية والمُخرج الرئيسي لها.

كما سنجد أن على رغم أن الهدف السابع (كفالة الاستدامة البيئية) تم النص عليه صراحة ليمثل الجانب البيئي، فإن معظم الأهداف الأخرى مرتبطة به، وتعتمد بشكل مباشَر أو غير مباشَر على وجود بيئة صحية للإنسان لتحقيقها. فعلى سبيل المثال سيعتمد الهدف المتعلق بالقضاء على الفقر والجوع على خدمات البيئة الحيوية الصحية للمعيشة وإنتاج الغذاء، وسيعتمد الهدف المتعلق بخفض معدل وفيات الأطفال وكذلك الهدف المتعلق بتحسين الصحة النفاسية للحوامل بشكل كبير على وجود مياه آمنة للشرب وخفض تلوث الهواء المنزلي والخارجي. أما الهدف المتعلق بإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية فارتباطه بالبيئة يتمثل في أن الدول الفقيرة مرغمة على استنزاف مواردها الطبيعية بشكل كبير لزيادة مداخيلها لدفع الديون الهائلة المتراكمة عليها، وخصوصا أن الموارد الطبيعية تمثل النسبة الأعلى من مداخيل هذه الدول.

ولذلك، لتحقيق التنمية المستدامة هناك حاجة إلى فهم الروابط وتحديد العلاقات بين التنمية/ رفاه الإنسان والبيئة بشكل أكبر، ودراسة العلاقة بشأن كيفية تأثير التغييرات البيئية على رفاه الإنسان. إلا أن تعريف رفاه الإنسان ليس بالأمر السهل الذي نتصوره، إذ تختلف الآراء بشأن معناه، ولكل تعريف منها انعكاسات متباينة على البيئة.

تقليديا ينظر إلى الرفاه الإنساني من خلال الموارد التي يمتلكها الإنسان مثل النقود أو الممتلكات، إذ يمثل الثراء - في وجهة النظر هذه - الأساس الذي يؤدي إلى رفاه الإنسان، وهذا الرأي مبني على أن البيئة يمكنها المساهمة في التنمية فقط من خلال تحفيز النمو الاقتصادي. وعلى النقيض من ذلك، هناك رأي يرى أن رفاه الإنسان يكمن في كيفية شعور الأفراد نحو حياتهم وتقويمهم ظروفَهم المعيشيةَ ويأخذ في الاعتبار الأهمية التي تلعبها البيئة في حياتهم، وتثمين الفرد البيئةَ لجوانبها الثقافية والجمالية والخدمات التقليدية التي توفرها لهم.

إلا أن الرأي الحالي يرى أن رفاه الإنسان لا يمكن حصره في جانب واحد من دون آخر، بل يشمل الكثير من الجوانب بما فيها المذكورة أعلاه، ويتمحور حول ما يمكن للفرد أن يكون والحرية المتاحة له لتحقيق ذلك. ويرى أن البيئة توفر الأساس للكثير من المنافع والخدمات مثل الغذاء والأمن والصحة والرضا النفسي، وفيه يتم تثمين البيئة بأبعدَ من كونها مصدرا للرزق، وينظر إلى تأثيراتها على رفاه الإنسان من مختلف الجوانب. وعليه في هذه الحال يعرّف رفاه الإنسان بـ «قدرة الأفراد على السعي نحو تحقيق حياة يأملونها ويرتضونها من خلال مجموعة عريضة متاحة من الحريات، تشمل الأمن الشخصي والبيئي، والوصول إلى الموارد للحصول على حياة أفضل، والتمتع بالصحة والعلاقات الاجتماعية الجيدة». وجميع هذه الأمور مرتبطة بقوة ببعضها بعضا وتتطلب إتاحة الحرية للأفراد لاتخاذ القرار والتصرف للوصول إلى ما يرتضونه من مستوى معيشي.

عموما، تشير الأدبيات المتاحة في هذا المجال إلى أن رفاه الإنسان يشمل أربعة مكونات رئيسية، وهي: الجوانب الصحية، الاحتياجات المادية، الأمن والعلاقات الاجتماعية. وسنجد أن هذه الجوانب ستعتمد بشكل كبير على حال البيئة والموارد الطبيعية المتاحة للإنسان. ومن خلال هذا المنظور، فإن الصحة تشمل الحالة الفيزيائية والذهنية والاجتماعية، وليس فقط الخلو من الأمراض واعتلال الصحة. وتشمل في هذه الحالة وجود بيئة طبيعية صحية، والقدرة على تجنب الأمراض الوبائية والحصول على الطاقة ومياه الشرب الآمنة واستنشاق الهواء النقي، والحصول على الرعاية الصحية المناسبة، بالإضافة إلى تقليل الضغوط والقلق المرتبطة بالمخاطر الصحية.

أما بالنسبة إلى الاحتياجات المادية فهي مرتبطة بالحصول على الخدمات التي توفرها البيئة الحيوية والطبيعية من خدمات «تزويدية» مثل المياه والغذاء، وخدمات «تنظيمية» مثل التحكم في الفيضانات وانتشار الأمراض، وخدمات «ثقافية» مثل الفوائد الروحية والترفيهية، وخدمات «مساندة» مثل دورة المغذيات في الطبيعة التي تحافظ على الحياة في كوكب الأرض. كما تشمل بالإضافة إلى ذلك أسباب العيش الآمنة والملائمة، والدخل والممتلكات، والحصول على الغذاء الكافي والمياه النظيفة والمسكن والملبس، والقدرة على الوصول إلى الطاقة والبضائع.

والأمن يشمل من هذا المنظور الأمن الشخصي وكذلك البيئي، والعيش بحرية من العنف والجريمة والحروب بالإضافة إلى الكوارث سواء الطبيعية أو التي يسببها الإنسان.

وأخيرا العلاقات الاجتماعية التي تشير هنا إلى الخواص الايجابية التي تحدد التفاعلات بين الأفراد، مثل: التماسك الاجتماعي، الاحترام المتبادل، العلاقات العائلية والقدرة على مساعدة الآخرين.

وجميع هذه المكونات التي تمثل رفاه الإنسان تعتمد بشكل كبير على البيئة الحيوية المحيطة بالفرد وسلامتها. ولذلك، فإن رفاه الإنسان يتعدى في مفهومه الحالي رفع مستوى المعيشة والمكتسبات المادية، ويذهب إلى أبعد من ذلك ليصل إلى حرية الفرد وقدرته على اتخاذ القرار للحياة بشكل آمن في محيطيه الطبيعي والبيئي ومدى إتاحة الفرصة له بأسلوب حياة لديه أسبابه الخاصة لتقديرها وتثمينها. ولذلك، فإن النظرة إلى البيئة حاليا لم تعد في إيجاد التوازن بين التنمية والبيئة فقط، بل تعدت ذلك وأصبحت تنظر إلى ضرورة «المحافظة على البيئة من أجل التنمية».

كوتة مقترحة: من مفهوم «البيئة أو التنمية» إلى «البيئة والتنمية» إلى «البيئة من أجل التنمية».

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً