لم تستطع ثورة 23 يوليو/ تموز المشهورة التي أطاحت بالملكية في مصر أن تغير من الحال الاقتصادية للمواطن المصري بدليل عدم توزيع موارد هذا البلد بالتساوي حتى اليوم، وهو أي - هذا البلد - كان يمثل في يوم نموذجا يحتذى به على مستوى المنطقة العربية على حين الحركة السياسية التي شهدتها خلال العهد الملكي عاشت فترة من الازدهار والديمقراطية بسبب وجود برلمان وأحزاب سياسية متعددة، مارست أنشطتها تحت سقف الحرية؛ ما أتاح لها نقد الملك والوقوف ضده في البرلمان.
ومع النظام الجمهوري في مصر فانه لم ينجح حتى الآن على القضاء على الطبقية التي زعم الضباط الأحرار تحريرها خالقين لأنفسهم طبقة أخرى شبيهة. وهي التي تزداد يوما بعد يوم حتى فيما تعكسه المسلسلات والأفلام المصرية, فما حدث مجرد اخذ السلطة من الارستقراطيين وإعطائها لطبقة أخرى. وهو الذي لم يود تأكيده مؤرخو ثورة يوليو كما جاء في مقال سابق بإظهار ايجابيات حقبة وسيرة الملك فاروق بل التركيز على تشويه هذه الفترة وإبراز سلبياتها بصورة غيبت فيها الحقيقة. غير أن التاريخ الحقيقي يعيد كتابة نفسه لاحقا ومثالا على ذلك ما جاء في مسلسل “الملك فاروق” الذي اتصف بالموضوعية وأيضا بتناول التاريخ في حيادية لم يسبق لها مثيل.
وبنظرة فاحصة، فان عهد الملكية بمصر لم تمارس فيه فظائع التعذيب على رغم التفجيرات ومحاولات القتل والاغتيال التي كانت تقوم بها جماعات مختلفة آنذاك في فترة “فاروق” وأيضا لو قارنها بممارسات الحكم الملكي في إيران. الا ان الأمر جاء مغايرا عندما تسلم العسكر الحكم في مصر فقد تحطمت الحياة الحزبية والاستثمارات الاقتصادية حتى الصحافة إذ أصبح المصريون يعيشون تحت رحمة أجهزة الأمن إلى تبديد ثروة مصر على مغامرات “الوحدة” التي لم تخرج من إطاا الشعارات ولم تحقق إلا في إطار متواضع.
إن كان الملك فاروق الذي ترجع أصوله إلى ألبانيا قد حُمِّل وزر هزيمة فلسطين لصالح اليهود على رغم انفتاح عهده, فالزعيم جمال عبدالناصر الذي تمتع بشعبية عربية امتدت من الخليج إلى المحيط هو الآخر حُمِّل وزر هزيمة تحقيق حلم الوحدة العربية ومفاهيم القومية العربية التي تذكرنا بمفاهيم القومية التي برزت في تركيا مع الزعيم التركي كمال اتاتورك. فهذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن واقع تشكيل المجتمعات العربية التي تتكون عادة من عدة اثنيات وأعراق وهي التي تجمعت بسبب دين الإسلام الذي هو دين أممي وليس على أساس عروبي أو غيره؛ ما يعني أن تحقيق حلم الوحدة لن يقضي على منابع الجشع والامبريالية الغربية بكل اشكالها، وتعيش الشعوب العربية في رغد ورفاهية، كما كان يُدرَّس لنا في كتب المدرسة بالبحرين التي تأثرت إلى حد كبير بمناهج مصر “الأحرار”، فمثل هذا الكلام لا اثر له على ارض الواقع.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ