في مطلع شهر رمضان المبارك من كل عام يتجدد الجدل بشأن إثبات الهلال وخلاف الدول الإسلامية في يوم صيامها وإفطارها، وفيما يدعو البعض إلى اللجوء إلى العلم من خلال الحسابات الفلكية والمراصد العلمية لإثبات أول الشهر القمري يؤكد علماء الدين والشريعة أنه لا يوجد تعارض بين الشريعة الإسلامية السمحاء والحسابات الفلكية العلمية وإنما الاختلاف في مدى إمكان رؤية الهلال بالعين المجردة أو المسلحة لقول الرسول الأعظم (ص): «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» ومع ذلك يشتد الخلاف بين الدول الإسلامية في تحديد أول شهر رمضان وأول أيام عيد الفطر المبارك ويمتد هذا الخلاف ليصل إلى أبناء الوطن الواحد وفي بعض الأحيان إلى أفراد الأسرة الواحدة.
ومع أن العامة يرون أن إثبات الهلال من ابسط الأمور، إذ تكفي شهادة شخصين عدلين على رؤية الهلال إلا أن المعايير الشرعية تبدو أكثر تعقيدا من ذلك.
فما الذي يمنع علماء الأمة من الاتفاق على أهم الأعياد الإسلامية؟ ذلك ما سنطرحه من خلال هذه الندوة على رئيس المرصد الإسلامي الفلكي الشيخ محسن العصفور والأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين الشيخ ناجي العربي بالإضافة إلى عضو لجنة الاستهلال في تقويم الهادي طه حسين.
وفيما يأتي الجزء الثاني من الندوة:
الشيخ محسن العصفور، هل ترى أن هناك ما يتعارض بين الشريعة الإسلامية والأخذ بالحسابات الفلكية؟
- العصفور: خطأ كبير أن يدعي البعض ذلك، فالشريعة الإسلامية هي شريعة رب العالمين الذي اوجد الكون وعلم الإنسان ما لم يعلم, وأكثر العلوم الإنسانية اليوم يرجع مصدرها إلى الأنبياء, وأول من عرف بتقنين وتدوين المعلومات الكونية هو نبي الله إدريس (ع), وهو منشأ علم الفلك الحديث الذي يعنى بالحقائق العلمية للكون والأجرام والمجرات, فالله عز وجل استخلف الإنسان على الأرض وأعطاه من العلوم والمعارف ما يستعين به على عمارة الأرض والعيش فوقها والاستفادة منها.
والإسلام عني كثيرا بعلم الفلك وهناك من العلماء المسلمين الأوائل الذين كان لهم دور كبير في تحديد النجوم والكواكب ومسمياتها، إذ إن غالبية المسميات عربية, وفي صدر الإسلام كان للنبي (ص) وأئمة الإسلام والصحابة كلهم معرفة بعلم الفلك إذ كانوا يهتدون بالنجوم في الصحراء والبحار فكان اعتمادهم الكلي على السماء وكانوا يتوارثون هذه المعارف وكانت نظرتهم إلى السماء كما ننظر اليوم إلى عقارب الساعة.
عندما نتحدث اليوم عن علم الفلك والشريعة فمن المعيب أن يكون هناك اختلاف بينهما، إذ إننا نتحدث عن حقائق علمية.
ولكن هناك أمور لا يمكن تحديدها, فالهلال سمي هلالا, فيقال إن الطفل استهل أي خرج من بطن أمه بالصياح والصياح يدل على حياته وعلى خروجه سالما, وهذا هو وجه التشابه بين الهلال وخروج الطفل من بطن أمه، فالطب الحديث يمكنه أن يحدد نوع الجنين وعمره والأمراض المصاب بها وهو في رحم أمه ولكن لا يستطيع أن يحدد بدقة وقت ولادته وذلك ينطبق على الهلال أيضا.
تحديد وقت الولادة
فمثلا جمعية القطيف الفلكية وبحكم خبرتهم التي تمتد لأكثر من ثماني سنوات واستهلالهم في خارج المدن في البر سنويا وتحريهم للهلال بدقة تامة, يقولون بتقدير الفلكيين فإن أي تقدير لمكث الهلال اقل من 30 دقيقة قبل غروب الشمس يتعذر بل يستحيل رؤيته ولكن لا يقطعون بذلك بل يستهلون على رغم أن جميع حساباتهم تخضع للحسابات العلمية ولكن بحكم التجربة والممارسة العملية اكتشفوا ان كل شهر إذا مكث الهلال اقل من 30 دقيقة فإنه يتعذر رؤيته حتى بالتلسكوب.
الحديث لا يدور الآن حول رؤية الهلال ولكن عن ولادته, لقد ضربت مثلا بولادة الجنين وعدم تمكن الطب من التكهن بموعد ولادته بالضبط في حين يؤكد الفلكيون أن بإمكانهم حساب موعد ولادة الهلال بالثانية.
- طه حسين: إن موعد ولادة الهلال ليست له علاقة بأي دولة من الدول، فمتى ما حصل الاقتران وأصبحت الشمس والقمر والأرض على خط واحد تتم ولادة الهلال سواء كنا في البحرين أو الهند أو اليابان أو أميركا فإن ولادة الهلال تتم في هذه اللحظة التي يتم فيها الاقتران وبذلك يمكن تحديد وقت ولادة الهلال بدقة حتى بجزء من الثانية.
إنني اختلف مع المشايخ في هذه النقطة فالمشكلة ليست تحديد الحسابات الفلكية وإنما في المعايير الشرعية.
- العصفور: لو أخذنا بمعيار الرؤية لحللنا الخلاف بالكامل، فاعتماد معيار الرؤية هو ضابطة قطعية يقينية تفيد العلم لا الظن.
- ناجي العربي: لدينا هنا نقطتان: الأولى، هي أننا نتحدث عما هو موجود من آراء لدى أهل العلم وآراء الفلكيين. والنقطة الأخرى، أن الخلاف ليس وليد اليوم وسبب الخلاف هو نص ونظر، لنقدر أننا أسقطنا الحساب تماما واعتمدنا الرؤية فهل لكل بلد رؤية مختلفة، أم أنه إذا جرت الرؤية في بلد جرت آثارها على البقية؟ ولذلك أقول إن اعتماد الرؤية لا ينهي الخلاف.
إن السؤال هو عندما يشهد شهود عدول رؤيتهم للهلال في حين تؤكد الحسابات الفلكية استحالة الرؤية فهل تؤخذ هذه الحسابات في رد شهادة الشهود أم لا؟
- العربي: اليوم مع تقدم العلم، فإن الفقيه الحاذق وليس الفقيه الجامد لا يمكن أن يقبل بشهادة شخص في حين أن الحسابات الفلكية العلمية تقول باستحالة ذلك فهو في هذه الحال يعارض حقيقة علمية لأنه لا يمكن رؤية الهلال إلا إذا وجد في المكان المعين له.
عيد هذا العام
أعلن المرجع الديني محمدحسين فضل الله كما أعلنت ليبيا وتركيا أن يوم الخميس هو المكمل لعدة شهر رمضان وأن يوم الجمعة هو أول أيام عيد الفطر المبارك. هل لك أن تطلعنا على ما تم الاستناد إليه في ذلك من حيث توقيت ولادة الهلال ومدة بقائه في المحاق الفلكي وساعة غروب القمر؟
- حسين: لا يمكنني الحديث في الشق الشرعي من إعلان سماحة السيد فضل الله، ولكنني سأتحدث من حيث الوقائع الفلكية, فليبيا وتركيا أعلنتا ذلك بسبب ولادة الهلال قبل صلاة فجر يوم الجمعة وبذلك اعتمدوا يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك.
فيما يخص الحسابات الفلكية فإنه في يوم الخميس مساء ليلة الجمعة وبحسب أفق المنطقة عموما، فإن الرؤية مستحيلة حتى في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأميركا الشمالية كاملة، ومع أن الهلال ولد ودخل الشهر فلكيا فإنه لا يمكن رؤية الهلال لا بالعين المجردة ولا بالعين المسلحة.
في أي ساعة سيولد الهلال؟
- طه حسين: الهلال ولد في الساعة الثامنة ودقيقتين من صباح يوم الخميس بحسب توقيت مملكة البحرين، وبذلك سيكون عمره ساعة غروب الشمس حوالي تسع ساعات و 13 دقيقة، ولذلك فلن يكون من الممكن رؤيته إلا في أميركا الجنوبية وفي الدول الجنوبية فقط من القارة، وتشيلي وسيكون احتمال رؤيته ضعيفة جدا بالعين المسلحة.
ورأي السيدفضل الله أننا نشترك معهم في جزء من الليل ومن الممكن مشاهدة الهلال هناك، وعليه فإن الجمعة هو أول أيام العيد.
ما علاقة المراجع الدينية والتقليد في مسألة ثبوت الهلال؟ ولماذا لم تحدث مثل هذه الاختلافات التي تجري الآن في الماضي في حياة سماحة الشيخ باقر العصفور على سبيل المثال؟
- العصفور: إن التقديم في الصوم لوجود الشك لا يضر ولكن المحذور هو الإفطار قبل نهاية الشهر, فهل أن الاجتهاد يوجب الإفطار قبل اليوم الشرعي الذي هو موضع اتفاق، إذ إن يوم الجمعة سيكون قبل العيد الشرعي, وهل تبرأ ذمة المكلف فأقول إنه إذا كان هناك من أفتى بذلك ودعا الناس إلى الإفطار في يوم الجمعة كما هو حاصل الآن فإنه بإجماع علماء الشيعة يجب عليه قضاء ذلك اليوم كما يجب عليه إخراج كفارة الفاطر عن عمد كما يجب ذلك على من افطر.
أما فيما يتعلق بعلاقة المراجع الدينية بثبوت الرؤية فإن من المفترض ألا يكون هناك تدخل وأن يترك ذلك للحاكم الشرعي, ففي بعض الدول الإسلامية الآن يترك أمر الحاكم الشرعي لسلطات رئيس القضاء الأعلى الشرعي ويعتبر هو الحاكم الشرعي للمسلمين في تلك الدول وهذا الشخص هو المخول بالإفتاء, فعندما تحدثنا عن الشياع ومن يراه مباشرة يجب عليه أن يصوم ويفطر أو هناك شهادة الشهود التي يجب الأخذ بها وهناك أيضا من ضمن إثبات الأهلة حكم الحاكم الشرعي ولا يخول للفقهاء العاديين أن يضعوا أنفسهم في هذا الموضع أي لا يحق للفقهاء أن يحكموا على المسلمين بالإفطار عموما وإنما يجب أن يعين ذلك الحاكم الشرعي.
التقليد وإثبات الهلال
ولكن الواقع الآن أن الكل يتبع المقلد لديه وخصوصا في المذهب الشيعي؟
- العصفور: من الخطأ أن نفترض أن المرجع يصر على أتباعه في متابعته في هذا الأمر لأن هذه القضية لا علاقة لها بالتقليد وإنما هي ضابطة شرعية عامة موضع اتفاق تعتمد على كل ما حصل شياع حصلت الشهادة أو البينة الشرعية، ويضاف إلى ذلك كله إن كان هناك حاكم شرعي كما في إيران مثلا أو في المملكة العربية السعودية فإذا حكم فيجب أن يتابع وفي الدول الإسلامية التي يحكم فيها غير علماء الدين تركوا الأمر لرؤساء المحاكم الشرعية وفي هذه الحال ليس هناك شياع وإنما حدثت له البينة الشرعية بحسب التكليف إذا شهد عنده شهود عدول وهو حكم بثبوته, فاليوم مثلا في مدينة قم 2300 فقيه ولو حكم كل منهم بكلام مقلده وبينهم تعارض... فهذا الكلام مرفوض شرعيا.
ولكن هل تتبع أنت الحاكم الشرعي؟
- إذا وجد حاكم شرعي في البلد فتجب متابعته, في البحرين ليس لدينا حاكم شرعي بهذا المعنى ففي المحاكم الشرعية لا يوجد حاكم شرعي أعلى، ربما في السابق كان موجودا وإنما في التشكيل الحالي لا يوجد.
- حسين: لقد أغفلت مسألة مهمة فيما يتصل بتحديد السيدفضل الله يوم الجمعة أول أيام العيد فقد قال إنه يمكن لمقلديه الذين يشتركون في جزء من الليل مع الدول التي يمكن أن يرى فيها الهلال أن يكون يوم الجمعة هو أول أيام العيد لديهم وذلك يعني أن من يقلد السيد فضل الله في ماليزيا يجب أن يفطر يوم السبت، إذ إن ماليزيا لا تشترك مع هذه الدول في جزء من الليل.
- العصفور: إن هذه المباني لا تستند إلى حجة وبينة وحكم قطعي وإنما هي تخمينات وظنيات واستحسان.
الهلال السياسي
- العربي: الأصل في الحاكم الشرعي هو ولي الأمر, اليوم كل حاكم يحكم بلدا هو الحاكم الشرعي فيها, وان كان الحاكم وضع القضاة وفوض أمر الرؤية لهم, فالقاضي كما يقول ابن أبي عاصم «منفذ للشرع بالإحكام نيابة عن الإمام» فالقاضي يستند إلى السلطة التي خولها له الحاكم في إثبات الرؤية وهو بذلك يتكلم باسم الحاكم في هذه الجزئية.
نأتي إلى الدول الخليجية القريبة من بعضها بعضا بحسب خطوط الطول والعرض فإنه يصعب نظرا وواقعا أن بعض الدول تراه والبعض الآخر لا تراه, ولذلك يوجد جزء من الخلاف سياسي وحزبي وطائفي.
- حسين: بصراحة لقد أصاب الشيخ في مقتل, فالمسألة مسيسة للأسف الشديد فعلى رغم أن لدينا في البحرين ضباب كثيف بسبب الرطوبة الناتجة عن البحر فإن الأفق متقارب جدا بيننا وبين السعودية.
- العربي: كنا في السابق نتحدث عن اختلاف العيد بين يومين أما الآن فيدور الحديث عن فرق بثلاثة أيام في العيد.
- العصفور: يجب الدعوة لإنشاء لجان مشتركة للاستهلال.
الموروث التاريخي
الذي يفرق ولا يجمع
كيف يمكن الحديث عن لجان مشتركة بين السنة والشيعة مادام أبناء المذهب الجعفري الواحد لا يتفقون على يوم واحد سواء للصيام أو الإفطار؟
- العربي: مع احترامنا لجميع العلماء والمراجع، ولكن من غير المقبول أن يكون لإخواننا الشيعة في البيت الواحد ثلاثة أعياد.
- العصفور: إن مشروع المرصد الإسلامي الذي طرحناه منذ ثلاث سنوات ونعمل على إنشائه لتوظيف التكنولوجيا الحديثة من حيث التصوير لتأكيد التوافق, وخلال السنوات الماضية عندما كنا نستهل على مبنى بنك البحرين الوطني وبرج المؤيد فإن الكثير من إخواننا السنة كانوا يشاركوننا في الاستهلال سواء من الجامعة أو جمعية الفلكيين البحرينية، فكان ذلك مظهرا جميلا نود أن يتكرر, ولكننا للأسف بحاجة إلى الدعم الرسمي وبحاجة إلى التنسيق فلا ضير أو ممانعة أن تكون هناك لجان مشتركة بين الشيعة السنة وهناك جمعية الفلك في القطيف على استعداد لتبني هذا الاتجاه والخروج في فرق وهيئات لتحري الأهلة في الأماكن النائية للجميع ويصدر من خلال ذلك بيان مشترك.
- العربي: إن خلافنا اليوم في إثبات رمضان أو العيد خرج عن جميع آراء الفقهاء سنة وشيعة وأصبح موقفا متخبطا مبنيا على سياسات ومواقف حزبية وأنظمة وآراء وأهواء أشخاص, وذلك غير معقول أو مقبول ولا يمكن في هذا الوضع الذي نسعى فيه إلى جمع الأمة أن نختلف في ركن من أركان ديننا. لو كانت هناك إمكانية للاختلاف في الحج لما وقف الحجاج في عرفة في يوم واحد.
- حسين: لدينا إشكالية في مدى تطابق الرؤية مع الحسابات الفلكية، ففي المملكة العربية السعودية مثلا يؤخذ بشهادة الشهود في حين أن حساباتنا تؤكد عدم إمكانية ذلك إذ يكون مغيب القمر قبل مغيب الشمس بفترة.
- العصفور: نحن الآن بصدد نشر الفكر العلمي الفلكي والشرعي في البحرين, إذ سنقوم بتنظيم دورات تخصصية من اجل إشاعة ثقافة الفلك الإسلامي الشرعي وما ينبغي الأخذ به بالاستناد إلى آراء جميع المذاهب الإسلامية وذلك ربما سيسهم في تقريب وجهات النظر كما سنقوم بنشر البحوث وأقوال الفقهاء المجمع عليها والتي تفند الواقع المزري الذي نعيش فيه من فرقة واختلاف فلو رجعنا إلى مصادر الفقه الإسلامي على اختلاف جميع المذاهب فإن جميعها تجمع على معايير واحدة.
في رأيكم لو تم تشكيل هيئة رؤية واحدة تجمع علماء الشيعة والسنة، هل هناك إمكانية للأخذ بما ستخرج به هذه الهيئة من قرار؟
- العصفور: إن إمكانية ذلك كبيرة، إذ يمكننا اليوم أن نقوم من خلال هذه الهيئة بالرصد والتصوير عبر التقنية الرقمية للأهلة وهي عملية سهلة جدا.
ولكن الإشكالية ليست في إثبات المعلومة وإنما الأخذ بها؟
- العربي: ذلك صحيح, والإشكالية الأكبر في المذهب الجعفري وذلك لاختلاف المراجع.
إلى أين وصل العمل في إنشاء المرصد الفلكي الذي تبنيتم إنشاءه في البحرين بعد تصريحكم بأن الجهات التي وعدتكم بالدعم تخلت عن وعودها؟
- العصفور: نحن ماضون ومصرون على تنفيذ المشروع على رغم ما نلاقيه من صعوبة التمويل.
العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ