يبدو بأنه لا بد لنا أن نتعاطى مع التجنيس السياسي المفروض علينا حاليا بشكل أكثر تحضرا ومدنية بمعنى أن نكون مطيعين نرضى بكل السياسيات المفروضة علينا ونتفهم سياسة لطالما كرهنا الانصياع لها ومفادها «حاضر سيدي»، كما علينا أن نكون غير معارضين نضج ونثور لكل شيء ولأي شيء، لأن التجنيس السياسي ببساطة شديدة أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا، أصبح علينا أن نحترم كل الذين جنسوا بمختلف جنسياتهم، لأنهم أصبحوا اليوم بحرينيين شئنا أم أبينا، على رغم أنهم يأكلون من خيرات البحرين وينعمون بنعيمها فإن حلالهم كله يدور خارج أروقة البحرين وينعش اقتصادهم ويبقى اقتصادنا مهلهلا ضعيفا.
أصبح لزاما علينا أن نقدر الجنسيات الأخرى والتي باتت تتكاثر بصورة رهيبة في الأحياء السكنية والمدن الجديدة والراقية التي كان في يوم من الأيام البحريني الفقير يحلم في حصوله على وحدة سكنية فيها، وإذا ما أصبح محظوظا وحصل على نصيبه بعد انتظار طويل، يظل طوال عمره يدفع ثمنها إلى أن يحصل على وثيقة مضمونها بأن الوحدة السكنية التي حصلت عليها «هبة» من الحكومة إليك، بعكس المواطنين الجدد الذين يتم التعامل معهم بشكل أكثر رقيا وحضارة، فلا أقساط شهرية تفرض عليهم ولا هم يحزنون.
أصبحت تركيبة البحرين السكانية اليوم لا مثيل لها في أي بقعة جغرافية أخرى في العالم أتحدى أي إنسان أن يحاول أن يخفف من المأساة التي نعيشها اليوم نحن نعيش واقعا في نفق مظلم لا نهاية له، أصبحت البحرين اليوم تمتاز بكوكتيل بشري فاقع لا نظير له والبركة في قانون الجنسية الذي لم يرحم أحدا، وأصبح من يومها خيارا مفتوحا أمام كل بحريني معارض للسياسة أن يختار أن يعيش برضاه في هذا الخليط غير المتجانس أو عليه أن يفكر جديا في الهجرة إلى أي مكان آخر لربما تسعفه الظروف في أن يفرض وجوده وأجزم بأنه لا يمكن له ذلك لعدة أسباب لعل من أبرزها أنه في بلده الأم «مسقط رأسه» لم يلق الاحترام والتقدير، فكيف له أن يجده في مكان آخر؟ السبب الآخر والجوهري لا توجد دولة على وجه الأرض تقبل أن تعامل مواطنيها معاملة من الدرجة الثانية كما هو الحاصل في البحرين كما لا توجد دولة على الأرض تميز الوافد على المواطن الأصلي سوى البحرين أم العجائب والغرائب، وبالتالي لا يمكن أن تميز البحريني العبقري المتميز على مواطن أصيل، وبالتالي من الآن على المواطن البحريني الغيور الطموح المجد المجتهد أن يتعاطى عقاقير مهدئة لحالة النشاط والحيوية والتفكير العلمي لكي لا يحبط في النهاية ويعيش حالة من اليأس أو الإحباط وعليه أن يتكيف مع ما هو موجود.
الحكومة فكرت في التجنيس بهدف إحداث خلخلة في التركيبة السكانية بعدما قررت الاتجاه إلى خيار الديمقراطية بعد الإلحاح الشعبي وبعد أن أصبحت البحرين ساحة تعج بالنشاطات الشعبية والسياسية والتي تنادي بعودة الحياة الديمقراطية إلى البلد وأصبحت البحرين حينها تحت المجهر، لكونها حتما ستقع في حرج كبير لكونها تتعامل مع الكثرة فالعملية الديمقراطية عمادها الأساسي رأي الأكثرية، في حين أن الحكومة يحرجها كثيرا بأن طائفة ما تمثل الأكثرية، وهي تيار المعارضة، ولذلك فجميع برامج الحكومة ونشاطاتها تتعامل معهم على أنهم أقلية في حين أن الأقلية هم من يحظون بالامتيازات والتسهيلات اللازمة فكان لزاما عليها أن تفكر في الإتيان ببشر من الخارج يقبل أن يضحي وبالتالي تغدق عليه الخيرات.
كان ذلك في السابق، أيام ما كان المواطن من الطائفة السنية الكريمة يحظى بالامتيازات، حاليا وهو الأخطر والأمر عندما تركن الحكومة المواطن البحريني سواء السني أو الشيعي وتتجه لتميز المجنس عليهما تقع الطامة الكبرى التي لا يمكن القبول بها، السني اليوم متضرر بدرجة أكبر من التجنيس؛ لأنه أخذ من حصته ويعيش معه ويجاوره ويتربى ابنه معه وزميله في العمل وربما يتصاهر معه مستقبلا الطائفة الشيعية الكريمة وأن وقع عليها ظلم إلا أنه ينافسه البحريني الأصيل.
أن تأتي الحكومة بجماعات وتعطيهم الجنسية وينالون كل حقوق المواطن، مسألة غير هينة وخطيرة، وعندما توفر لهم الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية أيضا أمر طبيعي لكونهم بمجرد حصولهم على الجنسية يحق لهم الاستفادة من جميع الخدمات المطروحة، ولكن الخطورة الفعلية عندما تأتي الحكومة بجماعات من الخارج وتمكنهم اجتماعيا وصحيا وتعليميا واقتصاديا وتفضلهم على أبناء الوطن الأصليين هنا تكون الطامة الكبرى لا ألوم المجنس فهو أيضا ضحية لسياسة الحكم وخططه وبرامجه الاستراتجية، ولكن اللوم كله للقانون الذي يسمح بحدوث كل ذلك.
فضيحة وزارة التربية الأخيرة خير شاهد سواء في مسألة توزيع بعثات الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه والتي سربت القائمة إلى الصحافة، أو التعيينات التي لا تخلو من وجود تعيينات لمجنسين فاقت أعمارهم الخمسين، في حين يترك البحريني الشاب أو البحرينية الشابة تلف وتدور من مكان إلى آخر بحثا عن فرص وظيفية وبرواتب زهيدة وبوضع اقتصادي غير مستقر، حسنا فعلت وزارة التربية فقد عملت خيرا لهؤلاء لأنها وفرت أسباب الاستقرار لهم في حين أن البحريني إليه الله، فهو على كل حال ابن البلد وغير غريب.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1863 - الجمعة 12 أكتوبر 2007م الموافق 30 رمضان 1428هـ