لابد من التنويه هنا إلى أن موضوع إنشاء بنك لدول الجنوب ليس فكرة طارئة، كما أنها لم تكن تاريخيّا محصورة في دول أميركا اللاتينية، لقد بدأ الاهتمام بالقضايا الاقتصادية في دول عدم الانحياز مع مطلع السبعينات من القرن الماضي، إذ طُرح مفهوم التنمية الاقتصادية كجزء من مفهوم عدم الانحياز، خلال مؤتمرات عدم الانحياز التي أصبح يصدر عنها إعلان مستقل بشأن قضايا التنمية الاقتصادية.
وفي إطار مطالب دول عدم الانحياز بالتعاون الاقتصادي، كانت هناك الدعوة إلى إنشاء «بنك الجنوب»، إلا أنها كانت دائما تواجه بنقص التمويل، كذلك كانت هناك الدعوة إلى إحياء برنامج التعاون الاقتصادي بين دول عدم الانحياز، وتحددت خلال مؤتمرات القمة مجالات التعاون المختلفة سواء بين دول عدم الانحياز وبعضها أو بين دول الحركة والدول النامية، إلا أنه يلاحظ أن هذه البرامج نظرية أكثر منها عملية، كذلك بدأت تزداد الدعوة إلى الاعتماد الجماعي على الذات فيما بين الدول النامية ودول عدم الانحياز، وهذه الدعوة واجهت الكثير من المشاكل التي تمثلت في افتقار معظم الدول النامية إلى مقومات اقتصادية عامة، وفي الخلافات الحادة التي تصل في أحيان كثيرة إلى مستوى حروب طويلة بين بلدان كتلة عدم الانحياز ذاتها.ولا يختلف واقع دول أميركا اللاتنية عن ذلك القائم بين دول عدم الانحياز، على مستوى العقبات الناشئة من بعض الخلافات الثنائية أو الإقليمية. ففي جولة سريعة على خلافات أميركا اللاتينية المزمنة، نجد أن الحدود التشيلية مهددة شمالا من قبل البيرو التي تطالب باستعادة ولايتي «أريكا- إيكبكي» اللتين خسرتهما في حرب الباسفيك، فيما تطالب أيضا بوليفيا بحقها الطبيعي في منفذ على البحر، الأمر الذي ترفضه تشيلي، وترى أن الاتفاقات الدولية قد رسمت الحدود وانتهى الأمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فيما يهدد الحدود الجنوبية لتشيلي جارتها الأرجنتين التي ترى أن أراضي الباتاغونيا في جنوب تشيلي، وهي أراض واسعة وغنية، إنما هي أرجنتينية في الأصل.
من جهة أخرى، لاتزال الأرجنتين تسعى إلى استعادة جزر الفوكلاند «المالفيناس» التي احتلتها بريطانيا، ولاتزال، بمساعدة من حكومة الديكتاتور التشيلاني أوغوستو بينوشيه والمخابرات الأميركية في ثمانينات القرن الماضي. كذلك المشاكل بين الأرجنتين وجارتها الباراغوي لاتزال عالقة، وهناك تهديد للحدود من قبل الطرفين، وخصوصا بعدما قررت الباراغوي بناء مصانع ضخمة لصناعة الورق على الحدود مع الأرجنتين، الأمر الذي رفضته الأرجنتين رفضا قاطعا، وهددت برفع دعوى على المستوى الدولي ضد الباراغوي.وتعاني كولومبيا والمكسيك من خطر تجار المخدرات والمافيات التي تعمل على تبييض الرساميل هناك، إضافة إلى خطر القوات الثورية الكولومبية (FARC) التي يبلغ تعدادها 15 ألف مسلح مدرب من الريفيين الموالين إلى الحركات اليسارية.
نزاع آخر قائم بين فنزويلا وكولومبيا منذ أربعة عقود على الحدود تصاحبه تمردات في كولومبيا، في الأثناء، قامت كولومبيا بالحصول على تمويلات أميركية ضخمة لبناء قواتها العسكرية (منها 3 مليارات دولار مساعدات عسكرية في السنوات الأخيرة بدعوى مكافحة المخدرات) فضلا عن مضاعفة حجم القوات العسكرية في كولومبيا لتتجاوز 275 ألف جندي. ومن المحتمل أن تشارك في أي تدخل أميركي للإطاحة بحكومة شافيز.
وعن مشروع «بنك الجنوب» تحديدا تشير وجهات النظر المتباينة عن المشروع إلى التضارب القائم بين الرئيس البرازيلي «لويس لولا دي سيلفا»، ذي التاريخ الاشتراكي الذي اعتنق سياسات السوق بعد وصوله إلى السلطة في أكبر بلد في أميركا اللاتينية، وبين الرئيس «شافيز» الذي يدعو إلى دور أكبر للحكومة الفنزويلية في توجيه السياسات الاقتصادية سواء في داخل البلاد، أو خارجها.
وفي هذا الإطار وجهت بعض الأطراف البرازيلية نقدها الشديد إلى تطلعات «شافيز» الرامية إلى تزعم جهود الاندماج الاقتصادي الذي يسعى إلى تكريسه.
يأتي ذلك في الوقت الذي يستمر فيه التوتر بين «شافيز» ومجلس الشيوخ البرازيلي على خلفية منع فنزويلا قناة تلفزيونية معارضة من بث برامجها داخل البلاد.ويتحدث «فينس ماك إلهيني»، خبير في شئون أميركا اللاتينية بمركز بنك المعلومات في واشنطن، عن تباين الآراء بشأن «بنك الجنوب»، قائلا: «لقد أظهرت البرازيل ميولا محافظة بالمقارنة مع تفكير فنزويلا، إذ يواجه مشروع البنك، الذي أريد له أن ينشأ على أسس من المساواة، رغبة البرازيل في الحد من نفوذه».
واعترضت البرازيل أيضا على حجم رأس المال الذي رصدته فنزويلا لإطلاق البنك والمحدد بسبعة مليارات دولار، مفضلة مبلغا متواضعا لا يتجاوز 3 مليارات دولار.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1862 - الخميس 11 أكتوبر 2007م الموافق 29 رمضان 1428هـ