العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ

الخريطة والميدان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا يَفرَحنّ أحدٌ من مناكفي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالنهاية التي آلت إليها المماحكات الظاهرة بينه وبين مجموعة من طلاب جامعة طهران قبل أسبوع عندما كان يُلقي خطابا هناك بمناسبة العام الدراسي الجديد؛ ولا يتجشّم أحدٌ لأن يُفسر تلك الحادثة بتخيّلات فانتازية على غرار ما يفعله الإصلاحيون الإيرانيون الغارقون في معارضة المحافظين صباح مساء، وإذا ما أصرّ أحد على تخريجها بتلك الكيفية فعليه أن يلتزم ذاكرة الورق ويستحضر الموقف ذاته الذي تعرّض له الرئيس السابق محمد خاتمي في السنة الأخيرة من رئاسته في الجامعة ذاتها وأن يعتبر ذلك كما يعتبره اليوم لنجاد.

أوجه الشبه كبيرة بين الرَّجُلَيْنِ اللذين حكما إيران الثورة... وهذا الشّبه هو في ميكانيزمات حقبتيهما وفي روافع الآيدلوجيا والتنظيم المُفضي إلى استحصال ضريبة التناقضات بينهما (أو بين ذوقهما الحزبي وامتداداته) على الساحة السياسية؛ فخاتمي صوّت له عشرون مليونا إيرانيا وهزم خصمه ناطق نوري الذي حصل على عشرة ملايين صوت، ونجاد صوّت له سبعة عشر مليونا إيرانيا وهزم خصمه هاشمي رفسنجاني الذي حصل على عشرة ملايين صوتٍ أيضا، خاتمي كان له المجلس التشريعي السادس والمجالس المحلية (التي كان يُسيطر عليها الإصلاحيون) مدماكا سياسيا استند إليه في معاركه الداخلية والخارجية وفي التفويضات شبه المُطلقة لسياسته، ونجاد ارتشف حتى الثمالة من دعم المجلس التشريعي السابع والمجالس المحلية (التي يُسيطر عليها المحافظون اليوم)، خاتمي جاء مُمتطيا موجة الحريات العامة وحقوق الشباب، ونجاد جاء على حصان التنمية الاقتصادية وتوزيع أموال النفط على موائد الفقراء، خاتمي أسال حبرا عبيطا في أسفاره وقراطيسه، وضرب بقبضته مرارا على منابر التنفيس والخطابة فداء لشعارات بلا شعور، ونجاد تكلّف حدا بالحديث عن الفقراء وعن قيمة الدِّين وهلاك الظالمين، خاتمي تحدث عن حوار الحضارات والثقافات، ونجاد تحدث عن غلواء النظام العالمي وعن زوال الكيان الصهيوني، وفي عهد الرئيس خاتمي تمخّض بوش الابن فوَلَدَ بدعةَ أن إيران أحد أضلاع محور الشر، وفي عهد نجاد دفعت إدارة بوش إلى استصدار قرارين دوليين يُدينان طهران بسبب برنامجها النووي.

وإذا ما ثبّتنا مفارقة هنا فسنجد أن الرئيس خاتمي عاش تحت رحمة الحظ واكتوى بفاجعة أسعار النفط الذي وصل سعره في العام 1999 إلى حدّ الدولارات الستة، على حين جنى الرئيس أحمدي نجاد مئات المليارات من الدولارات بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار النفط.

نجاد الذي أوصله التعميريون أراد شراء ما ضاع من الثورة بالتقسيط، بتشييد ميزان دولة جديد لا تضيع فيه الآيدولوجيا في عباءة الترف السياسي وشعارات الإصلاح الباهتة، ولربما حَلم باتباع نظرية «النوافذ المُحطّمة» التي لَفَظَتها ولاية فرجينيا لضبط إيقاع حياة الانحطاط والدّونيّة، لصالح أهداف أسمى. ولكن نجاد - الذي سجّلت حكومته أرقاما جيدة على مستوى إيقاف التضخم ورفع النمو والحد من البطالة - ربما استغرق قليلا في المأمول وفاتته حكمة الفيلسوف الفرنسي كورزيلسكي أن الخريطة ليست هي الميدان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً