العدد 1860 - الثلثاء 09 أكتوبر 2007م الموافق 27 رمضان 1428هـ

رئاسة الجمهورية وأزمة لبنان «الموقوفة»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ينتظر لبنان بقلق موعد الجلسة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية. فالموعد اقترب وحتى الآن تبدو الأطياف الأهلية (الطائفية والمذهبية) غير متوافقة على مواصفات رئيس يلبي حاجات القوى المختلفة على الكثير من القضايا المتصلة بأسس الكيان السياسي وشروط قيام الدولة.

من الآن حتى 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يتوقع أن تحصل تطورات تساعد البلاد على الخروج من مأزق يمنع تَكرار تلك الكارثة الدستورية التي حصلت في العام 2004 وأدت إلى تجديد نصف ولاية (3 سنوات) للرئيس الحالي اميل لحود. إلا أن الحذر هو المسيطر على الأجواء باعتبار أن قضايا المنطقة لاتزال عالقة بانتظار أن تتوصل القوى الدولية إلى حلول للملفات الساخنة من مشروع التخصيب في إيران إلى «المؤتمر الدولي» الذي سيعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ولأن الساحة اللبنانية مرتبطة بحكم الجغرافيا والتاريخ بظروف المنطقة وتلك الفضاءات المحيطة بالأقاليم المجاورة أو البعيدة في دائرة «الشرق الأوسط» يرجح أن تتأجل الجلسة الثانية إلى موعد ثالث حتى تتضح معالم الصورة.

الغموض هو سيد الموقف، والتدخل الدولي المترافق مع تدخلات اقليمية يساهم في تعطيل عناصر التوافق على صيغ محلية. فالرئاسة اللبنانية في أبعادها السياسية تتخطى الحدود ويمكن قراءة تضاعيفها من خلال رؤية شبكة العلاقات الإقليمية وضغوطها على ساحة مفتوحة للتجاذبات ومفتوحة للصراعات.

المسألة معقدة في تداخلاتها الدولية والإقليمية والمحلية. وهي خاضعة في النهاية للتطورات وما تنتجه من توازنات أو تسويات. وبما أن الملفات الساخنة لاتزال على حالها من ارتفاع درجة الحرارة يرجح أن تكون انتخابات الرئاسة خاضعة لقانون السخونة والبرودة الذي يحيط بجغرافيا «الشرق الأوسط» السياسية.

هذا القانون (الجغرافية السياسية) لا يمكن اسقاطه من الحسابات والمعادلات. ولأن القانون محكوم بشروط الطبيعة والتاريخ فإن رؤية انتخابات الرئاسة من زاوية محلية ضيقة تشكل مخالفة لكل تلك الاعتبارات «التدخلية» في الشئون اللبنانية. فالتدخل موجود واقعيا حتى لو أنكرت القوى السياسية هذا الأمر أو حاولت التهرب من عواملَ موضوعية تضغط بهذا الاتجاه أو ذاك.

المحيط الجغرافي السياسي يلعب دوره وهذا الأمر ليس جديدا حتى لو أرادت المراكز المحلية اخفاء الدوافع أو تغليفها بشعارات أو أفكار أو موادَّ دستورية. والفضاء الدولي - الإقليمي يساهم في لعبة الاختيار حتى لو تهربت القوى المحلية من الاجابة عن اسئلة دقيقة تتصل بالملفات الساخنة أو تلك الأوراق القابلة للالتهاب او الاشتعال في لحظة من اللحظات.

بناء على هذه المقدمة النظرية يمكن الاستنتاج أن الجلسة الثانية لن تنجح في انتخاب رئيس جديد ويرجح أن يتأجل موعدها إلى وقت لاحق لابد أن يحدد قبل الأيام العشرة الحاسمة من نهاية عهد لحود. والموعد الثالث أو الأخير يجب أن يكون في فترة تقع بين 10 و15 نوفمبر المقبل.

إلا أن المشكلة ستبقى في مكانها باعتبار أن ملفات المنطقة الساخنة يتوقع ألا تتوصل الأطراف إلى حلول بشأنها. فالمشروع النووي الإيراني لايزال النقاش يدور حوله. والموضوع العراقي عرضة للتأويلات والانقسامات والانسحابات ولم تستقر الإدارة الأميركية على موقف نهائي بشأنه. والمسألة الفلسطينية ستبقى نقطة توتر في دائرة «الشرق الأوسط» مادامت تل أبيب ترفض البحث في العناصر الجوهرية للأزمة.

أزمة موقوفة

لكل هذه الاعتبارات الدولية والإقليمية يرجح أن تبقى الأزمة اللبنانية «موقوفة» وغير قابلة للحل في الأمد المنظور. وبما أن موعد نهاية عهد لحود قد اقترب زمنيا ولا يوجد في المنظار القريب أي حل لأزمات المنطقة فمعنى ذلك أن لبنان سيدخل في إطار سياسي يحتمل تسوية مؤقتة ترضي كل الفرقاء ولا تلبي حاجات ورغبات الأطراف المحلية التي تتشكل منها العناصر الداخلية للأزمة.

القلق اللبناني من احتمال الفراغ السياسي مشروع؛ لأنه يرتكز على مجموعة توقعات مبنية على وقائع ميدانية موجودة في محيط المنطقة الجغرافي وملفاتها الاقليمية الساخنة. ومشروعية القلق تستند إلى حذر يؤرق القوى المحلية من احتمال توصل الأطراف إلى تعديل الدستور «لمرة واحدة فقط» لتمرير صيغة تؤجل حل الأزمة إلى أمد غير معلوم.

«تعديل الدستور» أصبح مسألة واردة إذا لم تسارع القوى الدولية والإقليمية والمحلية إلى التوافق على تسوية مؤقتة لمواصفات رئيس جديد للجمهورية. وبما أن المواصفات التي تقدمها الجهات المعنية غير متطابقة في شروطها تصبح البلاد عرضة للانهيار أو التفكك (الفراغ الدستوري) أو مضطرة للقبول بفكرة «تعديل الدستور» لمنع السقوط في الهاوية. وبين خيار «الفراغ» وخيار «التعديل» يرجح أن تقبل القوى النيابية مرغمة على تجاوز نصوص الدستور ومواده والتوجه نحو تعديل «فِقرة» تسمح بانتخاب أو تعيين «رئيس مؤقت» تقتصر وظيفته على إدارة الأزمة لا حلها باعتبار أن عناصر «الحل» وأدواته وشروطه موجودة في الخارج لا الداخل.

فكرة «الرئيس الانتقالي» ستكون الخيار الأقوى في معادلة لبنانية محكومة بقوانين الجغرافية والتاريخ وخاضعة في درجات برودتها وسخونتها لطبيعة «الشرق الأوسط» وسياساته الإقليمية.

فكرة الرئيس «الانتقالي» أو «المؤقت» مرفوضة حتى الآن من الأكثرية النيابية ولكنها ستتحول إلى أمر واقع حين يقترب موعد عهد لحود من الانتهاء في 24 نوفمبر المقبل. والأكثرية كما يبدو تراهن على دور أوروبي مستقل عن المظلة الأميركية يساعد على تطويع اعتراضات الأقلية النيابية وتعطيلها لجلسات البرلمان.

الاتحاد الأوروبي كما يبدو قرر التدخل المباشر وهناك خطة لإرسال وفد يتألف من ثلاثة وزراء خارجية لثلاث دول أوروبية كبرى (فرنسا، إيطاليا وإسبانيا) ليقوم بدور الوسيط العاقل في بلد مفتوح على جبهات ومكشوف على تجاذبات دولية وإقليمية.

مهمة الوفد الأوروبي ستبدأ قبل أسبوع تقريبا من موعد الجلسة الثانية وتهدف إلى إقناع «الأكثرية» و «الأقلية» بالحضور إلى مبنى مجلس النواب والتوافق على اسم رئيس.

المهمة الأوروبية يرجح أن تفشل في حال أقفلت ابواب الحوار الداخلي على سياسة مشتركة تتطلب توافقات على مجموعة نقاط ساخنة تبدأ بفكرة الدولة وسيادتها وتنتهي بفكرة مقاومة المشروع الأميركي - الإسرائيلي في المنطقة. وبما أن احتمالات التوصل إلى تفاهمات على مجموع القضايا غير واردة في القريب العاجل يصبح التأجيل سيد الموقف حتى تأتي الحلول من الخارج.

هناك حذر من الانهيار العام ولبنان فعلا ينتظر بقلق مواعيد الاستحقاق الدستوري. وبما أن الدساتير في جغرافيا «الشرق الأوسط» لا قيمةَ رمزية لها فيرجح أن يُقبِل لبنان على أزمة مفتوحة تتجاوز سياسيا سقف رئاسة الجمهورية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1860 - الثلثاء 09 أكتوبر 2007م الموافق 27 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً