المناقشات الحماسية بشأن ترشيحات الباكستان الرئاسية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول هي كلها عن الانتخابات والقادة، بيد أن الرئيس الحالي والمترشح الوحيد وكذلك رؤساء الوزراء السابقين الذين يناورون من أجل احتلال مركزٍ ما جميعهم قد خذلونا في الماضي: الشرط الحقيقي لبقاء باكستان هو الاستقرار والتقدم الاقتصادي.
باكستان هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، ولكنها أيضا عنصر كبير في عدم الاستقرار الإقليمي، وهي تتأرجح على حافة كونها دولة فاشلة، يرأسها قائد عسكري ويعمّها الفساد والعنف السياسي والحزبي والتوترات الانفصالية.
من المدهش حقا، أنه مازالت هنالك فرصة بأن تكون القاعدة الأساسية لحكم القانون قد ظلت حية إلى الحد الذي سيُأمِّن الاستقرار الذي تحتاج إليه الباكستان في إقامة اقتصاد مزدهر، وفي اقتصاد بالكاد أن يحافظ على بقاء البلاد.
يصنف اقتصاد باكستان في موقع منخفض في أي معيار من المعايير، ومع ذلك فهنالك إشارات تدل على تحسنٍ تدريجي في الحرية الاقتصادية، كما يتبين من تقرير «الحرية الاقتصادية في العالم» السنوي الذي يصدره معهدا فريزر الكندي وكيتو الأميركي: يضع التقرير معايير لقياس الانفتاح والمرونة والاستقرار وتدخل الدولة في اقتصادات 141 بلدا، ذلك لأن النشاطات الاقتصادية، وليست الحكومات، هي التي تخلق الازدهار.
لقد رأينا اندفاعا غير متوقع هذا العام في موضوع المساءلة وحكم القانون عندما رفضت المحكمة العليا محاولة الحاكم العسكري «برويز مشرف» عزل قاضي قضاة باكستان «افتخار محمد شودري» - وكان عاقلا عندما احترم هذا القرار في وجه احتجاج شعبي.
إن ما يدعو إلى العجب أنه بعد ستة عقود من الاضطرابات والفساد مازال هنالك أناس في مؤسساتنا يُؤمنون بالدفاع عن الدستور، وهذا يعطينا الأمل بأنه مازالت هنالك أسس من القوة بحيث تمكننا من بناء دولة فاعلة عليها. ولكن ذلك كله سيبقى نظريات سياسية شكلية إذا لم يعط الباكستانيون الفرصة لتحسين أوضاعهم، وللعيش في حماية القانون، ولحماية حقوق الملكية الفردية.
مؤشر الحرية الاقتصادية يُحرر الجدل من النظريات والأفكار، وخصوصا تلك الفكرة المراوغة، ألا وهي الديمقراطية. هنالك ديمقراطية بالاسم وهي تعمل بشكل سيئ بالنسبة إلى مواطنيها (مثل تركيا وبنغلاديش) وهنالك أنظمة تخدم مواطنيها جيدا (سنغافورة، الكويت، أو، إلى حد ما، الصين).
من خلال التمسك بمعايير يمكن قياسها وتجنب النظريات السياسية، يجب أن لا يصيبنا العجب إذا وجدنا بأن الحرية الاقتصادية تفيد جميع المواطنين بما في ذلك الفقراء: ذلك أن أفقر سكان سنغافورة أو سويسرا أو أميركا يكسبون ضعفين ونصف الضعف أكثر مما يكسبه المواطن العادي الروسي والتركي أو السوري.
الأخبار السيئة هي أن باكستان يأتي ترتيبها في 101 من مجموع 141 بلدا، مسجلة 6 من مجموع 10، أي أسوأ من إندونيسيا وعلى مستوى موازٍ لإثيوبيا وهاييتي - بيد أن الأخبار الجيدة هي أنها زحفت إلى أعلى، منطلقة من 5.7 نقطة في العام 2006.
إننا في أمس الحاجة إلى تقدم كبير في حكم القانون وحقوق المُلكية (بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية، على رغم بعض التحسينات)، وتخفيض الحواجز التجارية والقضاء على الرشوة والبيروقراطية. المشروعات التي تديرها الدولة مازالت تُكلف أموالا طائلة وتخلق عدم الكفاءة والفساد والحمائية تماما مثلما تفعل الأنظمة الحكومية: هنالك تقاليد موروثة عن تدخلات حكومة كثيفة وسيطرة حكومية تنساب في مفاصل الاقتصاد.
ومن ناحية أخرى، يجب أن نعترف بحدوث تقدم في مجال تحرير الاستثمار في الصناعات، وإزالة بعض العوائق غير الظاهرة، والمتمثلة في العوائق أمام الاستيراد والسماح بعقد الصفقات الرأس مالية مع الأجانب. كما أن ضعف التمويل الخاص والائتمان تحسنا في العام 2004.
وفي الحقيقة، إن التعامل الاقتصادي في باكستان أصبح أكثر سهولة منه في الهند: وتُظهر أرقام البنك الدولي في تقريره بعنوان «مزاولة الأعمال» والذي نُشر لتوه، بأن باكستان في هذا المجال تقع في الترتيب 78 بينما الهند في ترتيب أدنى هو 120 من مجموع 178.
هذا التقدم البطيء هو جيد في الحقيقة في ضوء تاريخ باكستان السياسي والاقتصادي الذي كان مرتبطا بالدولة والحكومة: فمنذ الاستقلال، كانت فكرة التنمية الاقتصادية ذاتها لا تنفصل بتاتا عن السيطرة الحكومية.
الموضوع الرئيسي في ترتيب الحرية الاقتصادية وفي تاريخ باكستان هو مستوى تدخل الحكومة: تستطيع الحكومات أن تقدم قليلا من الأمور الجيدة ولكنها في الوقت ذاته تستطيع أن تحدث أضرارا كبيرة. الحكومة لا تخلق شيئا، ولا تنبت شيئا بل إنها تستهلك فقط، وتعيش على ما ينتجه الناس وتنفق أموالهم: إنها تستطيع فقط أن تفعل جيدا إذا سمحت بخلق الثروة عن طريق ضمان السلم العام وحماية المواطنين.
ومع وجود عبء تاريخي ثقيل من السياسات والأداء المتأرجحين في باكستان، فإن مؤشر الحرية الاقتصادية يعطينا الأدوات لتثبيت ما يسير في الطريق الصحيح وإصلاح ما يسير في الطريق الخطأ: اقتصاد فعال سيدعم المحاولات لتحقيق الديمقراطية وحكم القانون، وهما يدعمان بعضهما بعضا في دائرة من التفاعل الحميد. الرئيس الجنرال مشرف ورؤساء الوزارات السابقون بنازير بوتو ونوّاز شريف، جميعهم يدّعون بأنهم يجب أن يُعطوا فرصة أخرى. لكن المسألة هي ما إذا كان قادتنا سيئو السمعة يستطيعون رؤية أن الأدوات الاقتصادية هي أملهم الوحيد لإنقاذ البلاد والبقاء في الحكم.
*مؤسس والمدير التنفيذي لمعهد الحلول البديلة في لاهور، باكستان،
والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1859 - الإثنين 08 أكتوبر 2007م الموافق 26 رمضان 1428هـ