قاربت إجازة البرلمان «الطويلة» على الانتهاء، إذ ينتظر أن يعود النواب بكتلهم المختلفة إلى قواعدهم سالمين بعد إجازة العيد مباشرة، فيستأنفوا أعمالهم التي توقفت، والتي يصر كثير منهم على أنها لم تتوقف بالفعل، بسبب استمرار أعمال اللجان أو عمل النواب كل في منطقته أو كتلته.
يعود النواب لمجلسهم، تنتظرهم ملفات كبيرة يحاسبهم الشارع على عدم التطرق إليها، أو عدم الإنجاز فيها. يعودون إلى جلساتهم الأسبوعية، وصراعاتهم مع السلطة التنفيذية، والأدهى، صراعاتهم بين بعضهم بعضا.
دأب الناس على محاسبة مجلس النواب ككتلة واحدة، بإنجازاتها وإخفاقاتها، معتبرين المجلس بكل أعضائه في مركب واحد، فصلاحياته واحدة وأدواته واحدة، يملكها النائب المنبري أو الوفاقي أو المنتمي لكتلة الأصالة أو المستقبل، مثلما يمتلكها كل المستقلين. ومن الصعب في هذا الصدد أن يحكم أو يقيم الناس إجمالا كل نائب على حدة، أو حتى كل كتلة على حدة، من دون النظر إلى الظروف التي تحكم علاقات الكتل بعضها بعضا. فتحاول بعض الكتل أن تسقط مشروعات كتل أخرى، فيما تدعم كتل أخرى على طريقة «شيلني وأشيلك». وهذه النقطة بالذات تفتح ملفا بدا متأزما ومن الصعب إيجاد حل حقيقي له، وهو غياب التنسيق الفعلي والحقيقي بين الكتل النيابية، من باب العمل الجماعي. كان من الواضح أن الكتل كانت تتسابق بين بعضها في تقديم الاقتراحات، وعرض المشروعات «واستعراضها»، فيما العمل الجماعي تقريبا «غائب»، ولم يشهد له شبيها فعليا إلا في بعض الملفات التي لم تكن ذات أولويةللشارع.
غياب التنسيق هذا لم يعترف به نواب المجلس بشكل صريح، وكان كل منهم على اختلاف كتلته يصر على أن محاولات التنسيق، والحوار والنقاش بشكل فعلي. انتهاء بالمبادرة التي تم الإعلان عن القيام بها لإيجاد تنسيق «حقيقي» بين الكتل في دور الانعقاد الأول. وبعيدا عن كل هذه «الكليشيهات»، والأحلام «الوردية»، أعلنت النائب لطيفة القعود، السيدة الوحيدة بين 39 رجلا في البرلمان، بجرأة عهدناها منها، أنه لا يوجد أي نوع من أنواع التنسيق بين نواب الكتل البرلمانية، وقالت مرة في لقاء مع «الوسط» أنها لم تعرف أو تشهد أي نوع من أنواع المبادرات للتنسيق الحقيقي، وأنها حزينة لهذا الأمر، وأنها تعرف بوعي كبير أن هذه هي المشكلة والعائق الأكبر في سبيل تحقيق أي إنجاز كبير على الأرض بالنسبة لنواب المجلس.
«أزمة التنسيق» بين الكتل البرلمانية ليست أمرا عارضا يمكن ببساطة معالجته بمبادرة أو بمبادرات تنسيق، و«أسطورة» العمل الجماعي بين الكتل ليست من السهولة بحيث يمكن للمجلس أن يقوم بها بين يوم وليلة وبمجرد تصريحات ودية «دبلوماسية». المسألة أعمق من ذلك وأكثر تعقيدا، فهي تتعلق بشكل رئيسي بقدرة المجلس على أن يتجاوز «خلافاته» التي لا نهاية لها، والتي تعكس خلافا في الجذور وفي الواقع وفي الجمهور. الأمر من ذلك هو محاولات بعض الكتل تقديم اقتراحات ومشروعات «تستفز» كتلا أخرى، ليصاحب الموضوع بردة فعل قوية تشغل المجلس شهورا، فبدل أن يصبح المجلس بكل أعضائه صفا واحدا كسلطة تشريعية تسعى لتقوية موقعها « الضعيف أصلا»، أصبح شغل المجلس الشاغل، أو بعض كتله أو أعضائه الضرب في بعضهم بعضا، أو التنافس بينهم في طرح موضوعات كثيرا ما كانت متشابهة جدا؟ فكيف يرجى من هذا المجلس إنجازا جماعيا، وتنسيقا حقيقيا مادام هذا هو الوضع، وما دام التنسيق الوحيد الذي يمكن أن يرجى من النواب هو على طريقة « شيلني وأشيلك».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ