عندما أتحدّث عن نسبة رضا الفرد عن الكتل السياسية أو النيابية، إنما أقصد كتلة مستقلة السيادة «حرة» قرارها بيدها من دون تدخل التجاذبات الدينية أو القبلية أو الدولية ولا بأي شكل من الأشكال، فأنا اتفق مع القول إن «ليس هناك ديمقراطية في وطن إذا كان الوطن نفسه يفتقد حريته».
فمفهوم الرضا في النظام الديمقراطي هو نابع من مفهوم المواطنة، والحديث عن مفهوم المواطنة من خلال تعريف المواطنة ومعنى المواطنة وما يترتب عليها والأسس التي تقوم عليها المواطنة والكيفية التي من خلالها تمنح المواطنة، الحقوق الأساسية للمواطنة الديمقراطية، والواجبات الأساسية المترتبة على المواطنة الديمقراطية.
أسهبت في التعريف لأني أعتقد بأن هذا هو المدخل الأساسي للشعور بالرضي بالأمور المتعلقة بمفهوم الحقوق والواجبات والمشاركة بالحراك المدني بعيد عن تعريف الرضي بمفهومة الديني كي لا تلتبس الأمور على بعض الأخوة.
أذن أن مفهوم الرضى مسألة نسبية تتفاوت بمقاييس متفاوتة لدى الفرد. وإذا عرجنا إلى الكتل النيابية لدى البرلمان البحريني وهو المحور الأساس ووضعنا مقاييس الرضا لا بدّ أن نؤطر هذه الكتل بمعنى، هل هي من الأساس مشروع حراك مجتمعي أو نتاج حدث معين؟، كي نتمكن من وضع مقاييس الرضا.
لا يختلف اثنان بأن الحراك المدني بالبحرين ضعيف بل لا يرقى إلى تسميته بحراك مدني ليس نقدا بالقيمين عليه ولكن إنه حراك وليد ويحتاج إلى الوقت الكافي لبلورة هذا الفكر بمفهومه الذي قام من أجله ووقت نضوجه مقرون بحجم مفهوم الحراك الديمقراطي والسياسي للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك هذا من جهة ومن جهة أخرى مدى إدراك الفرد لترجمة هذا المشروع بعيدا عن التعصب الديني أو القبلي أو المذهبي. لكن السؤال: إذا سلمنا جدلا بأن هذه الكتل كانت نتيجة مرحلة معينة أفرزت هذه التكتلات فما هي مقاييس الرضا عنها؟، في اعتقادي تتمثل بحراكها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
إن الحراك الاجتماعي أو المدني بمنطقة الخليج والبحرين على وجه الخصوص تحركه عدّة تجاذبات، منها التجاذبات الدينية والقبلية والمذهبية والليبرالية بمفهومها الغريب وهو الخوف من البعد الديني لدى المجتمع المدني، على رغم أننا دولة إسلامية محافظة بنسب متفاوتة وهذا مما يجعل الحراك يسقط، ونقصد هنا الحراك الليبرالي من جموع الكتل التي ترى أنها في المعترك والنسيج المدني فعندما نقيم نسبة الرضا نرى أن هذه الكتل لا تعبر بالضرورة عن حقائق تلزم صانع القرار، وإنما هي نتائج استرشادية مهمة، تقيده في تحديد نسبة مهمة من توجهات المجتمع وتوقعاته إزاء بعض الموضوعات، ما يجعلها أحد مدخلات صناعة القرار وليس الحاسم له.
مع الإقرار بهذه الحقيقة النسبية نرى أنّ صانع القرار ما زال يتجنب الاعتماد على الكتل السياسية، بل إنّ بعض النخب تسخر منها وتتهم عامّة الناس بالجهل السياسي وعدم الدراية في الأمور، وعندما نقف عند ردود بعض رؤساء الكتل أو بعض أعضائها بعد سؤالهم عن نسبة الرضى في أدائه البرلماني، نجد أن منهم من يقول انه لا يرقى إلى الطموح وآخر يقول ليس هنا حراك وآخر يقول صفر ومن الإجابات الغريبة العجيبة بعضهم يحملها الناخب!
أذا مفهوم الرضا على الكتل السياسية والنيابية هو بالأساس نابع من الإحساس بالمواطنة؛ أي الانتماء والشعور بأنك جزء من صنع القرار هذا بجانب الاستقرار الاقتصادي للفرد والتأمين الصحي والتعليمي والخدمي لدى الكيان الذي من المفترض أن تكون جزءا منه، إذن شعور الفرد بالرضى عن أي تفاعل هو نابع من عدّة تفاعلات لدى الفرد، خصوصا إذا كان هذا الأمر متعلقا بأداء الآخرين الآنَ بعد تشخيص الحالة والعلاقة بين مفهوم الرضا والمواطنة والفرد.
فالإحساس بالرضا عن الكتل النيابية لدى الفرد معدوم إلا مَنْ رحم ربي كي لا نظلم أحدا ففي ظل مجتمع مدني متهالك ويغيب عنه تعريف هذا المفهوم بتعريفه الحداثي المقرون بالقيم الأصيلة والشعور بالمواطنة التي تنطلق بالمفهوم الحسي لدى الفرد وهو الإحساس بالحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، لهذا أعتقد أن هذه الكتل ستظل بعيدة عن هموم وإحساس الشارع بشقيه الاجتماعي والاقتصادي، هذا بجانب ترتيب الأولويات بعد أعداد تفاسيرها من قبل الكتل السياسية أو النيابية وهو المهم والأهم والواجب والأوجب لدى الكتل النيابية التي تستطيع الانطلاق من خلاله إلى ما هو أفضل لصالح الوطن والمواطن.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ