بعد أنْ بدأت الأمور تتعقد في مسلسل (باب الحارة)، وتلاقت الأطراف والشخصيات على مختلف أعراقها في (سقف العالم)، واحتدم الصراع في (عيون من زجاج)، وتأزمت الأمور في (قضية رأي عام)... وتصاعدت المواقف الدرامية في جميع مسلسلات رمضان، بات المشاهد العربي قادرا على تشكل تصوّر ينتظر نهاية رمضان لينهي ملامحه، إلا أنّ انتصاف عرض هذه البرامج يعطينا الحق في بدء نقدها، وخصوصا أننا وقعنا على نصف حوادثها، وإنْ كان المسلسل لم يستطع أن يوصل جزءا من فكرته حتى الآنَ فهذا يعني بكل بساطة أنّ العمل يعاني من خلل.
لعلّ أحد الأمور التي تلفت النظر لدى الكثيرين، عاما بعد عام على شاشات رمضان، خصوصا في السنوات الأخيرة، هي ظاهرة المسلسلات الخليجية، التي فرضت حضورا قويا في العام الماضي، وحضورا أكثر اتساعا وتنوعا في هذا العام، فما من شاشة عربية إلاّ وأفردت ساعة أو اثنتين ما لم يكن أكثر لعدة أعمال خليجية.
وعلى رغم أنّ بعض الأعمال حاولت أنْ تستفيد من تجربة من سبقوها في الأعوام الماضية، فتتجنب الأخطاء التي وقعت مع كتّاب ومخرجين وممثلين مسلسلات السنوات الماضية، فإنّ النقد مازال مستمرا لهذه التجربة الدرامية الخليجية، التي مازالت حديثة العهد على الشاشة العربية بالمقارنة بالدراما المصرية والسورية، ولم تصل بعد لذروة عطائها وتأصل تجربتها.
من أهم ما انتقدت به الدراما الخليجية طوال الفترة الماضية، من دون أنْ تختص مسلسلات دولة خليجية من دون أخرى، أنها على رغم محاولتها أنْ تعرض جانبا من الحياة الاجتماعية الخليجية، فإنها في كل عمل حاولت الاقتراب فيه من مشكلات المجتمع كانت تبتعد في الكثير من الأمور عن واقعه، مما جعل الكثير منها استعراض ديكورات وحفلات ضرب وبكاء منتحب، فجلبت ما جلبت لها من انتقاد النقاد والصحافيين والمتابعين.
ولعلّ من أكثر الأمور التي انتقدت فيها سابقا أنها صعّدت الصراع بطريقة عنيفة جدا، خصوصا في العلاقات الأسرية، فقدّمت الأسرة الخليجية على أنها كيان قابل للصراع العدواني جدا والذي قد يصل للضرب، والعنف الشديد والقاسي، وأن التفكك الأسري قد يدخل بين أفرادها بسبب أمور كثيرة، فعرضت في الكثير من الأعمال مشكلات المخدرات وأصحاب السوء، والخروج عن الطريق الصحيح بشتى أشكاله، وصنفت المجتمع الخليجي بلونين أبيض وأسود لا ثالث لهما، فإما فقيرا أو فاحش الثراء، وإما طيبا أو قاسي القلب شريرا عديم الضمير، تنقلب أعماله على رأسه دفعة وفي الحلقة الأخيرة.
تفادت أعمال الخليج في رمضان الحالي بعض هذه الإشكاليات، فتطرّقت لأمور جديدة، بل إنّ الكثير من الأعمال عرضت قضايا جريئة جدا في المجتمع، لم يجرؤ أحد من قبل في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أن يتطرّق لها، كما في مسلسل (لحظة ضعف) و(عيون الزجاج)، وحاولت أن تحسن تقنياتها في تصوير المشاهد وإخراج العمل بشكل عام، وإن كانت مازالت عالقة حتى الآنَ في بعض نماذج التصوير والإخراج، وكما أن حمى مستحضرات التجميل على وجوه الممثلات بدأت تتراجع عن وجوه بعضهنّ، ولم تستطع أخريات أن يتخلينَ عن أكوام الطلاء على وجوههنّ حتى في المشاهد التي لا تحتمل هذه البهرجة.
وكما يقال، الشاشة الخليجية مازالت في أوّل خطواتها في مسيرة الألف ميل، فإنْ كانت تفادت بعض الشوائب التي شابت نصوصها وسياقها في الأعوام السابقة، وحاولت أن تطلعنا على جانب جديد وحقيقي في بعض أطروحاته، حول واقع المجتمع الخليجي، في هذا العام، فالمتوقع منها في العام المقبل أن تدخل خطوة أخرى في مسيرتها، لعلها في يوم من الأيام تقدم عملا من هذا المجمع وله، خصوصا وأن الدراما والمسلسلات كانت ومازالت أحد أهم وسائل تعرف المجتمعات الأخرى على جزء من المجتمع الذي يقدم عنه العمل، فمن منا لم يتعرف على الكثير من العادات المصرية من خلال مسلسلاتها وأعمالها التي مازالت تعرض علينا منذ مئة عام حتى الآنَ، فهل ستلعب الدراما الخليجية دورا مشابها في يوم من الأيام.
العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ