العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ

أوباما... وعقدة بايدن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس المنتخب باراك أوباما في فترة تشكيل إدارته والطاقم المساعد تتركز في المرحلة الانتقالية على احتواء عقدة نائبه جون بايدن. بايدن صاحب مشروع ويمتلك خبرة طويلة في التعامل مع الملفات الدولية وهو مصنف تقليديّا من جناح «الصقور» في الحزب الديمقراطي والأقرب إلى مدرسة «تيار المحافظين الجدد». وبايدن في هذا المعنى يقارب عقدة ديك تشيني في عهد الرئيس الحالي جورج بوش.

تشيني لعب دور المحرض السياسي في إدارة بوش وساهم في توريط الولايات المتحدة في مغامرات كان بالإمكان تجنب الوقوع فيها. واستمر مكتب نائب الرئيس يقوم بمهمات خاصة على هامش الإدارة حتى حين بدأ تيار «المحافظين الجدد» ينهار تدريجيّا وتتساقط رموزه واحدا بعد الآخر.

بايدن ليس بعيدا عن لعبة تشيني التقويضية حتى لو استخدم مفردات تختلف في منطقها الشكلي عن مصطلحات «المحافظين الجدد». فالمنطق مختلف ظاهريّا لكنه متجانس جوهريّا في تعبيراته وآلياته وأهدافه السياسية. بايدن مثلا صاحب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وهو قاد في الكونغرس الأميركي صولات وجولات لإقراره رسميّا.

مشروع تقسيم العراق الذي أقره الكونغرس رسميّا في العام 2007 رفض بوش توقيعه لأسباب «نفسية» تحسب ضده دوليّا في اعتبار أنه الرئيس الذي اتخذ قرار الحرب بذريعة إنقاذ المنطقة من الإرهاب والسلاح الكيماوي. ولهذه الاعتبارات «الشخصية» قرر بوش تأجيل التوقيع ورفع ملف التقسيم إلى الرئيس المقبل حتى لا يتحمل «معنويّا» مسئولية فشل خطة الاحتلال.

الرئيس المقبل للولايات المتحدة انتخب وأصبح يتحمل مسئولية القرارات التي ستتخذ بشأن العراق وأفغانستان وفلسطين ودول «الشرق الأوسط الكبير» حين يتسلم مقاليد السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني 2009. ومشكلة الرئيس المقبل تتركز الأن في نائبه بايدن وهي تشبه في عناصرها الإيديولوجية تلك المشكلة التي واجهها بوش في تعامله اليومي مع نائبه تشيني.

كيف سيتعامل أوباما مع مشروع بايدن التقويضي؟ وهل سيوافق على خطة تقسيم العراق ويوقع قرار الكونغرس رسميّا ليصبح مشروع الدولة الأميركية في المرحلة المقبلة أم أنه سيجمد القرار ويؤجل التوقيع ويتجاهل خطة التقسيم حتى تتوضح معالم الصورة الدولية في ضوء الأزمة المالية التي تعصف بأسواق العالم.

هناك تحديات كثيرة يواجهها أوباما ولكن أسلوبه في التعامل مع نائبه بايدن يعطي الكثير من المؤشرات للتعرف على شخصيته ومدى قدرته على تحمل مسئوليات ترتقي إلى تلك التوقعات التي راهنت على فوزه.

أوباما يختلف عن بايدن ليس في المذهب واللون فقط وإنما في تكوينه الاجتماعي وسيرته الشخصية وتجربته السياسية. وبايدن يختلف كثيرا عن أوباما بوصفه صاحب تجربة عريقة في الكونغرس وابن المؤسسة الرسمية وأحد رموزها في العقود الثلاثة الأخيرة. والاختلاف بين السيرتين يرسم خطوط تماس بين الشخصيتين وأساليب تعاملهما مع ملفات ساخنة تركها لهما بوش قبل أن يغادر البيت الأبيض.

لاشك في أن أولويات أوباما الآن أميركية داخلية وهي تتركز على الاقتصاد ومنع الأزمة المالية من مواصلة اجتياحها لمؤسسات الإنتاج المدنية. ويحتمل أن تشكل هذه الأولوية الداخلية فرصة للرئيس المنتخب تعطيه فترة زمنية لإعادة صوغ الإستراتيجية الدولية بناء على المستجدات وحاجة الخزانة للمال قبل الأمن. إلا أن هذا الاحتمال يواجه تحديات داخلية تتمثل اقتصاديّا في احتواء ضغوط لوبيات شركات الطاقة ومؤسسات التصنيع الحربي وأسواق المال. كذلك تواجه هذا الاحتمال تحديات إدارية تتمثل رسميّا في احتواء ضغوط جناح بايدن ورؤيته الخاصة والمتشددة في ملفات السياسة الخارجية.

العراق وأفغانستان

بايدن يشكل عقدة أوباما في السنوات المقبلة. فهذا الديمقراطي أقرب إلى أيديولوجية الحزب الجمهوري وخصوصا في مسألة قراءة نشوء الدول العربية والمسلمة المعاصرة وضرورة إعادة النظر في الخريطة الجغرافية السياسية التي تشكلت تاريخيّا في مرحلة الاستعمار الأوروبي والثنائية الفرنسية - البريطانية.

هذه الرؤية التي يعتمدها بايدن أسست لديه منهجية تقارب إستراتيجية «تيار المحافظين الجدد» ومشروع تقويض دول المنطقة وإعادة تأسيسها من جديد على قاعدة تقسيمات قبائلية وأقوامية وطائفية ومذهبية. لذلك ولكل هذه الاعتبارات النظرية (الرؤيوية) قاد بايدن في الكونغرس منذ العام 2005 حملة تشريعية للموافقة على خطة تقسيم العراق وانتهت محاولته الأولى بالفشل. وجدَّد الحملة بعد الانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في خريف 2006 وانتهت بفوز الحزب الديمقراطي بغالبية المقاعد. وبسبب تغير موازين القوى الحزبية في الكونغرس استفاد بايدن من التحولات فجدد حملته ونجح في العام 2007 في تمرير مشروع خطة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات.

السؤال هل سيعتمد أوباما خطة المشروع ويطرحها بصفتها تمثل وجهة نظر الدولة؟ السؤال مفصلي لأنه يشكل نقطة تحول في الإستراتيجية الأميركية. وبناء على الجواب سترتسم على الأرض معالم جديدة وخطيرة في سلبياتها. إذا وافق أوباما وأقدم على توقيع قرار الكونغرس فمعنى ذلك أنه انزلق نحو تبني الخطوط العامة في مشروع سلفه واتخذ خطوة في اتجاه مواصلة سياسة التقويض التي وضعت مؤسسة «راند» خرائطها الجغرافية منذ فترة وقبل انتخاب بوش الابن إلى موقع الرئاسة. أما إذا رفض أوباما التوقيع وترك المسألة مفتوحة على الاحتمالين فمعنى ذلك أنه قرر الانتباه واتخذ خطوة مستقلة إلى الوراء تعطيه فرصة للتمايز وربما البدء في تدشين خطة مخالفة لمشروع التقويض وما يتطلبه من حروب دائمة لتنفيذه.

مشروع تقسيم العراق رسميا يشكل في كل الحالات ورقة ضغط على أوباما يمكن تحريكها في المناسبات لاختبار مدى فعالية إرادته واستعداده للتحدي وحرصه على الاستقلال عن نائبه بايدن. ونائبه أيضا يمكن أن يستخدم تلك الورقة للضغط على رئيسه كما فعل تشيني مرارا مع بوش، ويمكنه أيضا تجاهلها أو التخلي عنها لكونها مجرد قرار اعتمد لاستفزاز الحزب الجمهوري وإحراج رئيسه المضطرب في البيت الأبيض.

إلى العراق هناك أفغانستان وخطة توسيع جبهة الحرب ضد خلايا «القاعدة» وشبكة «طالبان» باتجاه الحدود الباكستانية وداخلها. في هذه المسألة المهمة أيضا هناك وجهة نظر خطيرة يقول بها بايدن وهي تقتضي تعزيز القوات الأميركية ورفع جاهزيتها والبدء في استئناف الهجوم منذ لحظة تسلم مقاليد السلطة. ورأي بايدن في هذا المضمار ليس بعيدا عن منهجية تفكير «تيار المحافظين الجدد» الذي يضع مسألة مكافحة الإرهاب على رأس أولوياته.

مسألة أفغانستان قد تشكل ثغرة في سياسة أوباما الخارجية وربما تكون خطوة أولى في مشروع توريط إدارته في حرب مفتوحة على احتمالات خطيرة وسيئة وسلبية قد تؤدي إلى انقلاب في إستراتيجيته وتفرض عليه تعديل أولوياته في حال توسعت دائرة المعركة وعبرت الحدود إلى باكستان.

هناك مطبات كثيرة يواجهها أوباما وهي في مجموعها موروثة عن عهد سلفه بوش. فالرئيس المنتخب أمامه ملفات ساخنة لا يستطيع تجاهلها أو تأخيرها أو التهرب من استحقاقاتها وأيضا لا يستطيع التسرع واتخاذ قرارات ناقصة تورطه في مشروع تقويضي كبير في وقت تضغط عليه أزمة أسواق المال لاتخاذ خطوات تنقذ الاقتصاد الأميركي من كارثة كبرى.

عقدة بايدن تمثل إشارة إلى التعرف على شخصية الرئيس المنتخب ومدى استعداده لتقبل التحدي ورسم صورة مغايرة عن سلفه الذي خضع لسياسة نائبه تشيني. التشابه بين العقدتين موجود ويبقى أن ننتظر لنتعرف على سياسة الرئيس بعيد تسلمه مقاليد السلطة رسميّا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً