شكرا للحكومة الكويتية على قرارها بإنشاء محفظة مالية رسمية للشراء المباشر من البورصة والتي من شأنها المساهمة في وضع حد لتراجع أداء المؤشر. بالمقابل، ليس من الصواب ترك موضوع أسواق المال من دون تدخل رسمي تحاشيا لحدوث تطورات لا تحمد عقباها لاحقا. نقول ذلك في ضوء وجود مزاعم بأن فاتورة خطط إنقاذ أسواق المال من الانهيار قد ارتفعت بسبب عدم تدخل السلطات المعنية في الوقت المناسب.
الإنقاذ عاجلا أم آجلا
برزت مشكلة أزمة الرهن العقاري للسطح للمرة الأولى في صيف العام 2007 في الولايات المتحدة بعد أن تبين عدم قدرة نسبة غير قليلة من المقترضين تسديد الديون المترتبة عليهم (خدمة الدين فضلا عن الرأس مال). وتطلب الأمر تقديم الرئيس الأميركي جورج بوش خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار (يشكل هذا الرقم نحو 80 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة). وقد وافق مجلس النواب الأميركي على الخطة في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول بعد مناقشات ماراثونية. من جملة الأمور الأخرى سمح المشرعون للحكومة إمكانية شراء الأصول المتعثرة من المصارف والمؤسسات المالية الأميركية بلا استثناء، شرط خضوعها إلى النظم الرقابية والاحتفاظ بهذه الأصول إلى موعد الاستحقاق، أو بيعها في الوقت أو الظروف والأسعار التي تحقق فيها أعلى عائد لدافعي الضرائب.
حقيقة القول، استغرب البعض من توظيف أموال لإنقاذ بعض المؤسسات المالية. بيد أنه لم يكن أمام إدارة الرئيس بوش من مفر، لأن فاتورة ترك الأمور تزيد مرات عن كلفة توظيف أموال عامة لإنقاذ الوضع سيؤدي لانهيار بعض المؤسسات المالية، ما يعني خسارة عدد غير قليل من الوظائف وبيع منازل الناس. وتبعت الولايات المتحدة دول أخرى في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى بعض الدول الآسيوية بإقرار خطط لغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
أهداف المحفظة
عودة إلى موضوع المقال، فقد قرر مجلس الوزراء الكويتي الأسبوع الماضي تكليف الهيئة العامة للاستثمار بإنشاء محفظة استثمارية طويلة الأجل بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الأخرى للاستثمار في سوق الكويت للأوراق المالية وفق أسس استثمارية موضوعية ومهنية تحقق الأهداف المنشودة في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز أجواء الثقة وتكريس دعائم استقرار السوق واحتواء التداعيات السلبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وعلمنا بأن سبب إشراك جهات رسمية أخرى الهيئات المستقلة والتأمينات الاجتماعية ومؤسسة البترول مع الهيئة العامة للاستثمار يعود في جانب منه إلى تفويت الفرص على المستثمرين لإدراك التوجهات الاستثمارية للمحفظة فضلا عن معرفة حجم الأموال التي يتم سيتم استثمارها في شركات دون غيرها. وتمتلك الهيئة العامة للاستثمار ملكية معلنة في بعض المؤسسات المدرجة في البورصة.
وتعد الهيئة العامة للاستثمار بمثابة الذراع الاستثمارية أو الصندوق السيادي للكويت، إذ تبلغ قيمة أصولها 265 مليار دولار بحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة.
للضرورة أحكام
يبدو لنا أن مقولة «متأخر لكن ليس متأخرا جدا» تنطبق بالضرورة على الخطوة الكويتية. ومرد كلامنا تراجع أداء مؤشر البورصة لأكثر من 30 في المئة منذ بداية العام الجاري. والغريب حدوث هذا التراجع على رغم وجود أساسات قوية في الاقتصاد الوطني بدليل تحقيق 186 شركة مسجلة في سوق الكويت للأوراق المالية أكثر من 11 مليار دولار على شكل أرباح صافية في الشهور التسعة الأولى للعام الجاري. بيد أن هذا الرقم يشكل تراجعا بنحو 19 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2007.
ولا غرابة فقد ضاق عدد غير قليل من المستثمرين الصغار ذرعا بأداء السوق ونجحوا في إقناع السلطة القضائية بوقف التعامل في سوق الكويت للأوراق المالية بتاريخ 17 من الشهر الجاري. وزعم هؤلاء وجود عملية تلاعب للأسعار من قبل مجموع من كبار المستثمرين بغرض الدفع بالأسعار للأسفل لتحقيق أهداف استثمارية. وبدورها، نجحت الحكومة في إقناع المحكمة بالعدول عن قرار الحجز (وستنظر محكمة الاستئناف في القضية مجددا يوم غد الأربعاء).
تتميز الخطة بأنها طويلة الأجل، إذ من المقرر أن تبقي الاستثمارات في البورصة لفترة خمس سنوات. ولاشك لدى الجهات الحكومية تغيير نوعية الأصول التي يرغبون في اقتنائها، لكن يجب أن تبقى الأموال في السوق لتحقيق الأهداف المرجوة مثل ضمان توافر السيولة والعمل على إعادة الثقة للمعاملات.
وحتى كتابة المقال لم يتم الكشف عن القيمة المالية للمحفظة فضلا عن تفاصيل آليات التنفيذ وخصوصا المسائل الفنية. والرقم المتداول في أوساط المهتمين في حدود 11 مليار دولار أي نحو 8 في المئة من القيمة السوقية للشركات المدرجة.
استنساخ الخطوة الكويتية
ننصح الحكومات الأخرى في دول مجلس التعاون باستنساخ الخطوة الكويتية نظرا إلى خطورة الموقف. نقول ذلك بعد حدوث تراجع غير عادي في أداء بورصة السعودية في الأيام القليلة الماضية، إذ هبط مؤشر التداول بأكثر من 10 في المئة وعليه أغلق عن 4432 نقطة. ويعتبر هذا الأداء الأسوأ من نوعه في بورصة السعودية منذ بداية العام 2004. ولوحظ تراجع سعر أسهم شركة «سابك» العملاقة بنحو 10 في المئة يوم السبت الماضي، ما يؤكد أن الموضوع بات خطيرا وغير قابل للتأخير، لأن المسألة تتعلق بالسلامة المالية لمؤسسات ضخمة تعتبر حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني.
ختاما، نرى لزاما قيام الحكومات بتوظيف جانب من الفوائض المالية التي تم جمعها في السنوات القليلة الماضية على خلفية ارتفاع أسعار النفط لإنقاذ أسواق المال من الانهيار. وباختصار، ليس من الصواب ترك جانب حيوي من الاقتصاد يتعرض لتراجع بسبب تصدع الثقة من دون أن تحرك الجهات المسئولة ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد. والأمر المؤكد هو أن أداء أسواق المال يعد المرآة الحقيقية للآفاق المستقبلية للاقتصادات الوطنية.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ