احتفل الشهر الماضي معهد المهندسين البريطاني المتخصص في تصميم الهياكل الهندسية
Institution of Structural Engineers بمرور مئة سنة على تأسيسه، وبهذه المناسبة استفتى المعهد أعضاءه المهندسين لاختيار أفضل عمارة في العالم، وجاء اختيارهم على «أبراج بتروناس» في ماليزيا كأفضل تصميم هندسي/ هيكلي في العالم، بينما حل في المرتبة الثانية «برج العرب» في دبي.
وجاء في تفسير أسباب الاختيار أن الأبراج الماليزية دمجت بين القوة والجمال والأصالة والحداثة، وأنها تحمل رمزية للبلاد بهويتها المسلمة، ولكنها مواكبة لأفضل تطورات العصر. ومن دون شك، فبصفتي مسلما أشعر بالفخر أن يتم اختيار ماليزيا في هذا المجال، وبصفتي عربيا، فإنني أيضا أفخر بأن دبي تحتل المرتبة الثانية. ولكنني أيضا أفرق بين أبراج «بتروناس» و «برج العرب»؛ لأن الأخير عليه ملاحظات من ناحية رمزيته التراثية، والمهندس المعماري الذي صمم البرج ربما تعمد أن يبرزه بشكل غير ملائم (في زاويته من جهة البحر) للهوية العربية - الإسلامية.
من ناحية أخرى، فإن المرء يحتار أحيانا إذا كان بإمكانه أن يعتبر العمران الأسمنتي في منطقتنا الخليجية جزءا من حالة حسنة أم انه مجرد غشاء يختفي خلفه ضياع الفرص التنموية الحقيقية. وكما أشرت في «مناظرات الدوحة» التي بثتها فضائية الـ «بي بي سي» قبل يومين، فإن الطفرة الاقتصادية التي شهدتها منطقة الخليج منذ العام 2000 ربما لا تتكرر، وخصوصا أننا نمر في مخاض الأزمة المالية العالمية التي تسببت في هبوط قيمة أسهم القطاع العقاري أكثر من 85 في المئة، وهبوط اسهم القطاعات الأخرى بدرجات متفاوتة. ولقد كانت الطفرة تعتمد على زيادة أسعار النفط الذي صرفنا أكثره على المباني الأسمنتية التي احتاجت إلى عمالة رخيصة أجنبية نستوردها بأعداد كبيرة، وهذه بدأت تؤثر على وضعنا الاجتماعي والثقافي، فضلا عن السياسي.
ولتوضيح الفكرة أكثر، فإن أية دولة في العالم تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية: الأرض، الشعب، ومؤسسة الحكم... وإذا اختفى أحد هذه العناصر يختفي معنى الدولة. ولذلك، فإنه لا يمكننا أن نعتبر جزيرة «دييغو غاريسيا» دولة، لأنها أرض بلا شعب، وقد تم إخراج شعبها واستبداله بالعسكريين والمنشآت الأميركية الاستراتيجية. وكذلك الحال مع بلداننا، فإنه لا يمكن أن تكون لدينا دولة بالمعنى الصحيح للكلمة إذا اختفى الشعب وسط بحر من المهاجرين، أو إذا اختفت الأرض وتحولت غالبية المساحة إلى أملاك خاصة.
وعليه، فإن بإمكاني أن أضيف تعليقا مؤيدا لاختيار «أبراج بتروناس» بصفتها أفضل هيكلية عمرانية، إذ إنها حافظت على هوية البلاد (تشبه المئذنتين من بعيد)، وعبرت أيضا عن وجود مجتمع حيوي يعيش على الأرض ويستفيد من كل ما هو موجود على تلك الأرض، وبينت أن المباني العالية أو المنخفضة ليست بديلا عن الشعب، وليست مضخة أموال لبعض الشعب فقط.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ