بادئ ذي بدء نشير إلى أننا سبق وتطرقنا إلى مشروع المفكر جاسم السلطان والمعنون بـ «مشروع النهضة»، وذلك بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول 2007م، وتطرقنا - في المقال ذاته - إلى تعريف النهضة، على أنها حركة فكرية عامة، حية منتشرة (...)، كما أننا قدمنا تلخيصا لأهدافها وهي: نقل الأمة من طور الصحوة العاطفي إلى مرحلة اليقظة الراشدة العاقلة؛ إذ يتم تنظيم الجهود العلمية وفق رؤية استراتيجية تجمع كل الطاقات (...) وبما أن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى اكتمال عوامل النجاح؛ فإن المشروع يلخص تلك العوامل في: التحضير الفكري الشامل للأمة تحضيرا ينتشلها من اليأس، وبعث فيها الأمل ويجيب على أسئلتها أو شكوكها، ويوضح الرؤية، ويفتح مسارات عمل جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة. إضافة إلى التواصل مع النخب المؤثرة لبحث أفضل السبل لعودة الحياة الحضارية، والدخول في التنافس البشري بشأن الأولوية. وأخيرا إيجاد مشروعات عمل مشتركة بين كل تيارات الأمة - الراغبة في النهضة - لتؤدي إلى النتيجة الحتمية في نهضة مجتمعاتنا.
أما سياسات مرحلة اليقظة فهي: البعد عن الارتجال أو الاكتفاء بالاقتصار على استثارة العواطف. إذ إن المرحلة يجب أن تسير في كل حركاتها على أدق قواعد البحث العلمي. والمحور الثاني في سياسات المرحلة هو الانطلاق من القواسم المشتركة للعاملين من أجل نهضة الأمة. والمحور الثالث هو عدم التخندق تحت مدرسة مذهبية أو حزبية بعينها. أما المحور الأخير فهو عدم إقصاء أي جهد نافع يصب في نهضة الأمة، إذ إن المشروع لا يستغني عن النخب المؤثرة والقيادات الرشيدة الفاضلة من كل التيارات والأحزاب والجماعات وكل المخلصين من الحكام والمحكومين. بالإضافة إلى الدعاة والأفراد المستقلين.
وأما بالنسبة إلى أولويات مرحلة اليقظة، فإنها تتمحور في أمرين هما؛ أولا: موضوع الفهم، إذ العمل بلا علم أمر فيه خلل كبير، وصواب العمل مقترن بصحة العلم الذي قاد إليه. ثانيا: ضرورة تنظيم الخريطة المعرفية الذهنية للعاملين في حقل النهضة. إذ المعلومات والمعارف التي يحصل عليها الفرد عن أمته هي معلومات تأتي من أطراف مختلفة، ومن الطبيعي أن تكون في بعض الأحيان متناقضة, ولا توجد لدى (الفرد) خريطة ذهنية بحيث يضع في ضوئها ما يتلقاه من معارف ومعلومات في مكانها الصحيح.
ثم يشير جاسم إلى مشروعات مرحلة اليقظة، وهي على الصعيد الفكري، وتعالج قضايا حساسة متعلقة بـ: الدين والجهاد، الدين والمشاركة السياسية، الدين والتعايش، الدين والمرأة، الدين والسياسة الدولية، الدين والاقتصاد، الدين والتخطيط والقومية والتعددية العرقية. ومن أجل ذلك لابد من تحديد الأدوات المعرفية المطلوبة لتحقيق الحراك المؤدي إلى المعالجة الصحيحة، وتلك الأدوات هي: نموذج لإطار عام وتعالجها أربعة كتب هي: استراتيجية الإدراك للحراك (من الصحوة إلى اليقظة)، القواعد الاستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري (قوانين النهضة)، الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ (فلسفة التاريخ)، وأخيرا، نحو وعي استراتيجي بالتاريخ (الذاكرة التاريخية).
والأمر الآخر المطلوب للمعالجة هو ما يتعلق بالعلوم الإنسانية الضرورية، وهي: علم السياسة، التحليل السياسي، الدعاية السياسية، الجيوبولتيك، علم الاجتماع، التفاوض الاجتماعي، المنطق، والاستراتيجية. أما العلوم الإدارية الضرورية المطلوبة للمعالجة فهي: الإدارة العامة، كتابة الخطط الاستراتيجية، كتابة المشروع كتابة التقارير، الإلقاء، التفاوض، تنظيم الوقت، الاتصال الفعال، وإدارة التغيير.
هذه هي أبجديات مشروع النهضة، كما يسميها المفكر جاسم سلطان، وهذا المشروع الذي يتوجه به إلى كل المخلصين لأمتهم والراغبين في نهضتها، والتي يأمل من خلاله أن يكون هذا المشروع وثيقة تعريفية لبداية حوار فعال ومسئول على مستوى النخب الفكرية والحكومات والمهتمين بالشأن العام، إذ يمثل الحوار بشأن مسلمات الماضي واحتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل الخطوة الأولى نحو انتقال الأمة من مرحلة الصحوة إلى مرحلة اليقظة.
مشروع النهضة مدروس وموضوع بعناية ودقة فائقتين، ويقوم على أسس علمية رصينة، ومخطط له بشكل محكم، لو أخذ على محمل الجد من قبل المعنيين، سيكون أجدى نفعا للأمة من كثير من الصراعات السياسية والفكرية التي تخوضها النخب على مختلف الأصعدة. إنه مشروع حضاري يتخطى الصراعات التقليدية والسجالات البيزنطية بشأن الكثير من القضايا التي اشتغلت بها النخب، من دون أن تجني الأمة من وراء هذا الاشتغال أية فائدة تذكر! وعلى الأقل فإن المفكر جاسم السلطان اجتهد في الأمر، وقرع الجرس، وعلق المشروع في رقبة النخب المعاصرة.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ