متفقون على أن لا نتفق! مقتنعون على أن لا نقتنع بالوقوف ولو مرة مجتمعين متوادّين متوحدين متكاتفين، وكأننا لا نعيش إلا متفرقين متباعدين، وحتى في مناسباتنا الدينية التي من أجلى صورها ومعانيها رصّ الصف ووحدة الكلمة، واجتماع الرأي، فترانا نتنافس على الفرقة تنافس الفرسان على قصب السبق!
الاختلاف على الهلال الذي تتفق عليه أمم مليونية وتختلف عليه أمة قوامها بضع ألوف من البشر، هذا الاختلاف يبدو أنه الضيف الذي لا يزاحمنا إلا عندما نتهيأ ضيوفا على الرحمن في شهره الكريم، هو اختلاف دوري اعتادت عليه مشاعرنا التي اضطررنا إلى شطرها شطرين هنا في البحرين، ليصبح الرمضان رمضانين، ويصبح أيضا العيد عيدين، وهاهو على الأبواب ينتظر دخوله التدريجي! كل ذلك ابتلعناه ابتلاعا، باسم تعدد الآراء الفقهية، التي تحتاج فقهيتها إلى دليل فقهي، فهذه صوامع الشهود أكثر عددا من الشهود وكلّ حزب بما لديهم فرحون!
انشطر الهلال قبل إحدى وعشرين أو عشرين ليلة بحسب المرجعية الهلالية سدّدها الله وانتهينا! انقسم هلالنا - الله يعوده - كعادته وشبع تقسيما، وحسنا فعل العلماء عندما حاولوا تدارك الشتات وأصدروا بيانا أعلنوا فيه دعوتهم لتوحيد إحياء المناسبات الدينية بغضّ النظر عن «الرأي الفقهي» في الهلال لحفظ ما تبقّى من ماء وجه الوحدة المراقة بيد هذا الهلال هداه الله والذي لا يعرف الطلوع في البحرين إلا مرتين، أو ثلاث مرات في أعوام أخر.
حسنا فعل العلماء، ولكن للأسف البالغ فإنّ المناسبات الدينية هي الأخرى أيضا لم تجد بدّا إلا أن تنشطر تأسّيا بالهلال المشطور! إذ إنّ هذه الدعوة الوحدوية أيضا رفضت في مجتمع أدمن الاختلاف، وألف الفرقة على رغم الدعوة للوفاق والاتفاق!
بعض المناطق أصرّت على أن تضرب تلك الدعوة بعرض الجدار، حتى لا يفوتها قطار إحياء المناسبات الدينية في موعدها المقدّس، ربما حرصا على الثواب الذي لن يكتبه الله الكريم الرحيم الحنّان المنّان الغفور العطوف إلا لمن أحيا المناسبات الدينية في موعدها، وإلا فإنّ العمل يذهب كلّه هباء منثورا، لذلك كان لبعض تلك المناطق الحق في أن تتعبّد بهلالها لا هلال غيرها!
قد يدور جدل عقلائي في تعدد رؤية الهلال لأنه متعلق بواجبين هما الصوم والإفطار، ولكن أين مبررات إحياء المناسبات في أكثر من موعد مع وجود دعوة تحفظ للناس حقّهم الشرعي في دخول وخروج الشهر، وتدعوهم للتوحد فيما عدا ذلك من المناسبات التي هي مظهر من مظاهر وحدة الكلمة؟
دعوة العلماء الأخيرة محلّ تقدير واحترام، وما أحوجنا للمزيد من هذه الدعوات التي تنظر إلى الوحدة عبادة لا تقلّ شأنا عن إحياء تلك المناسبات نفسها، ولكنها دعوات تحتاج إلى دفع لا صدّ، وتحتاج إلى قبول لا ردّ!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1853 - الثلثاء 02 أكتوبر 2007م الموافق 20 رمضان 1428هـ