العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ

جداول الأجور الجديدة - نظرة تحليلية

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ينصّ قانون الخدمة المدنية على أنّ سياسة التصنيف الوظيفي ترتكز على قاعدة الأجر على قدر العمل والتي تعتبر أساسا لتصنيف الوظائف في الحكومة، وتكون الفوارق في مستوى درجة وظيفيه وأخرى، وفقا لهذه القاعدة، مبنية على الفروقات الفعلية في الواجبات والمسئوليات والمؤهلات المطلوبة لإنجاز مهام كلّ وظيفة. من هذا المنطلق وضعت جداول الأجور والتي هي عبارة عن سلالم تحدد الفروقات في الأجر وفق المسئوليات والصلاحيات الوظيفية والتأهيل والتعليم الذي تتطلبه عملية القيام بهذه المسئوليات.

وقد اعتمدت حكومة البحرين أسلوب النسب المئوية عند احتساب الفوارق بين درجة وأخرى وكذلك بين رتبة وأخرى. ومنذ مطلع الثمانينات حين استعانت الحكومة بفريق من الخبراء العالميين تم وضع أسس متعارف عليها دوليا لتصميم الأجور وفقا لهذه المبادئ، وتم الاستعانة بالنماذج الرياضية الملائمة لاحتساب منحنى الأجور المتناسقة التي تنساب وفقا للتدرج في مستوى ودرجة صعوبة الواجبات، وهو ما يطلق عليه Smooth pay curve.

إلا أنّ هذه القواعد السليمة تم تجاهلها إمّا بسبب نقص الخبرة لدى القائمين على تصميم الأجور، أو لاعتقاد المسئولين في الخدمة المدنية بعدم جدوى تطبيق أدوات التصنيف الوظيفي. فمن المعروف إنّ تحديد مستوى وقيمة الوظيفة وفقا لنظم تصنيف الوظائف تكون حصيلتها النهائية تسكين الموظف على الدرجة التي تتناسب ومسئوليات وظيفته على جدول أو الرواتب. من هذا المنطلق فإنّ توافر نظام فعّال لتصنيف الوظائف يتولى تطبيقه اختصاصيوالتصنيف الوظيفي، يعتبر الأداة المنفذة لجداول الأجور، من هنا يتضح الترابط والتكامل بين مهام محللي الأجور واختصاصي التصنيف الوظيفي، وهي الحلقة المفقودة في ديوان الخدمة المدنية.

تعتبر مسئولية تصميم أو إعادة تصميم جداول الأجور عملية معتقدة وتتطلب مهارات متخصصة. وقد أدركت الحكومة هذا الجانب في بداية الثمانينات عندما استعانت بخبرات عالمية لهذا الغرض. ففي تلك الفترة يُعاد النظر في جداول الأجور بعد إجراء مسوحات شاملة تسمى Locality Wage Survey بالتعاون مع الشركات الكبرى والمؤسسات المالية في الدولة، وتحدد هذه المسوحات حجم الفجوة في الأجور بين القطاعين العام والخاص. ويبدو أنّ هذه المسوحات قد توقفت منذ زمن طويل. وعندما تحدد الفجوة بين القطاعين في مختلف المهن يتم إعداد عدّة بدائل (سيناريو) لتقليص الفجوة. كما يتم التنسيق مع الجهاز المركزي للاحصاء ووزارة التجارة لتحديد النسبة الصحيحة للتضخم. وعلى ضوء هذه الدراسات المتخصصة التي كان ينفذها ديوان الموظفين آنذاك يتم تقديم التوصيات الملائمة لمجلس الوزراء، الذي يقرر بدوره الاعتماد المالي الملائم للزيادة العامّة، إذا ما تقرر منحها.

إذا فقرار منح زيادة عامّة يستند على طريقتين هما:

1- تحديد النسبة المئوية للزيادة على ضوء نتائج المسوحات السنوية، ومن ثم اعتماد الموازنة لها.

2- فتح اعتماد مالي محدد وتكليف جهاز الخدمة المدنية لتوزيعه على مختلف جداول الأجور بتوجيه للاهتمام بفئة معينة من شاغلي بعض المهن الوظيفية. والطريقه الأخيرة تضع أعباء كبيرة على الجهة المنفذة تجعل من تساوي نسبة الزيادة بين الجداول والدرجات في الجدول نفسه، وكذلك بين الرتب في كل درجة عملية في غاية الصعوبة وقد تكون نتائجها عكسية، وهذا بالضبط ما عبّر عنه النائب عبدالعزيز أبل عندما اعتبر الزيادة تطبيق غير عادل للتوجيهات الملكية. ويبدو أنّ اللغط الذي يدور الآنَ حول الزيادة العامّة يعود جزء منه لاتباع الطريقة الثانية. فصحيح أنّ الزيادة المعلنة هي 15 في المئة إلاّ أنّ الاعتماد المالي المخصص للزيادة لا يغطي كلّ هذه النسبة. وبنظرة فاحصة على جدول الأجور يتضح ما يلي:

أ- إن هناك تباينا في نسبة الزيادة بين الدرجات في الجدول الاعتيادي بلغ نسبة تقارب 5 في المئة بين الحد الأدنى والأقصى، وكذلك مثله في الجدول الأكاديمي. ومصدر هذا التباين أيضا الأسس الذي بنيت عليه الزيادة، فقد تعرّضت جداول الأجور عدّة مرات لعمليات ترقيع وتشوهات أخلت بالتناسق الذي كان قائما بينها، وكذلك بالتناسق بين الدرجات في الجدول الواحد. فما أسس على خلل لا يمكن ترقيعه بمزيد من الخلل.

ب-إنّ الزيادة الممنوحة الآنَ ليست من دون ثمن يدفعه جميع الموظفين على المدى البعيد. وهذا الثمن يتمثل في تقليص نسبة الزيادة السنوية التي جرت العادة على ربطها بنسبة التضخم والذي احتسب بنسبة 3 في المئة. وبهذا كانت الزيادة السنوية التي كانت تمنح في الماضي للموظفين في يناير/ كانون الثاني من كلّ عام هي رتبه واحدة بواقع 3 في المئة تقريبا وهي نسبة الفرق بين رتبة وأخرى، وزعت كنسبة مئوية في كلّ جدول على أساس أنّ نسبة التضخم 3 في المئة تسبب تأكلا متساويا لدخول جميع الشرائح من دون استثناء.

أما جداول الأجور التي تعرّضت للعبث في الآونة الأخيرة فقد خفضت الزيادة في الرتبة السنوية الممنوحة للموظفين في يناير من كل عام من 3 في المئة إلى نسبة تتراوح بين 1.2 في المئة للموظفين في الدرجات الدنيا 2.19 في المئة للموظفين في الدرجات العليا، وكأنّ التضخم السنوي هو أقل وطأة على موظفي الدخل المنخفض منه على موظفي الدخل المرتفع. وقد سحبت هذه الحقوق الوظيفية من موظفي القطاع الحكومي بهدوء، لم ينتبه إليه أحد، وكأنّ ديوان الخدمة المدنية أراد أنْ يرسل رسالة إلى موظفي القطاع العام مفادها أنّ ما أعطى بيد سيؤخذ بيد أخرى، مما حدا بالبعض للدعوة لإبعاد ديوان الخدمة المدنية عن كادر المعلمين تحاشيا لإفساده. والغريب أنّ مبلغ الزيادة السنوية قد تم تخفيضه من أربعة دنانير للدرجة الأولى في جداول الأجور للعام 1997 إلى ثلاثة دنانير للجداول الجديدة ومن عشرين دينارا إلى 18 دينارا للدرجة العاشرة. وكأنّ التعديل جاء لسحب بعض المزايا السابقة التي لو تم المحافظة عليها لكان مبلغ الزيادة السنوية مضاعفا. وهذا التخفيض يتم في كل مرة تراجع فيها جداول الأجور.

ج- إنّ الفرق بين رتبة وأخرى في الجدول نفسه تم احتسابه كمبلغ ثابت هو ثلاثة دنانير في الدرجة الأولى الاعتيادية، وثمانية عشر دينارا لنهاية مربوط الدرجة العاشرة. والطريقة الصحيحة هي احتساب الفرق كنسبة مئوية من مربوط درجة الوظيفية؛ لتصبح الزيادة نسبة مئوية من الراتب الأساسي كما حددتها الإرادة الملكية. فالموظف في الدرجة الأولى الاعتيادية الذي كان يحصل على زيادة سنوية قدرها سبعة دنانير مثلا سيحصل الآنَ على ثلاثة فقط بحسب الجداول الجديدة، وكذلك الموظف في الدرجة الاعتيادية العاشرة الذي كان يحصل على ثمانية وعشرين دينارا في يناير من كلّ عام كرتبة سنوية Annual Increment سيمنح بحسب الجداول الجديدة ثمانية عشر دينارا فقط. من جهة أخرى فإنّ اعتماد المبلغ المقطوع يتنافى ومفهوم الأجر على قدر العمل.

د- لو أخضعنا هذه الجداول الجديدة للمعادلات المستخدمة في الحاسوب ؛لاتضح لنا حجم الخلل في منحنى الأجور ولاتضحت التعرجات بدلا من المنحنى المتدرج Smooth Curve الذي يعكس المبادئ التي نصّ عليها قانون الخدمة المدنية والمتعلقة بالعدالة Equity ومبدأ الأجر على قدر العمل، والتي يبدو أنّ المعنيين بالأمر في ديوان الخدمة المدنية يعجزون عن تفعيلها.

ه- يلاحظ عدم شمولية الزيادة العامّة General Pay Rise للموظفين على الجدول التنفيذي والجدول التخصصي اللذين تم ترقيعهما بصورة منفصلة في فترة سابقة مما أوجد خللا في التناسق بين جداول الأجور المترابطة بحسب معادلة التكامل ومنحنى الأجور المتناسق. لهذا السبب قام ديوان الخدمة المدنية بكبح الزيادة الحقيقية في نهاية مربوط الدرجة العاشرة الاعتيادية لكي لا تتداخل وبداية مربوط الدرجة التنفيذية الأولى. وهكذا يكون تصحيح الخطأ بخطأ آخر بسبب نقص الخبرة وحداثة التجربة للقائمين على تنفيذ سياسة الأجور في الخدمة المدنية. لهذا السبب اعتبر المعلمون طريقة حساب الزيادة على أنها التفاف على الأمر الملكي.

لقد أدخل ديوان الخدمة المدنية في السنوات الأخيرة تشوهات على نظام الأجور فقط خلط الحابل بالنابل عندما سكّن بعض الأطباء على الجدول التنفيذي بدلا من الجدول التخصصي الخاص بهم. كما بالغ بشكل ملحوظ في ترقية عدد كبير من الموظفين على الجدول التنفيذي مبتدأ بموظفي الديوان ذاته الذي أصبحت نسبة الوظائف التنفيذية فيه أعلى من أي وزارة أخرى. فأصبح ينطبق عليه المثل القائل All chiefs but no Indians حيث عدد شاغلي الوظائف التنفيذية يزيد على خمسين موظفا بمعدل تنفيذي واحد لكل خمسة موظفين، وهذا لا يتناسب ومبدأ نطاق الإشراف السليم، فأصبحت الترقية إلى الجدول التنفيذي شرهة أو هبة تمنح وفق المفهوم الحزبي في النظام الشمولي. وهكذا ببساطة تم إهمال نظام التصنيف الوظيفي الذي كان يوما من الأيام مفخرة لنظام الخدمة المدنية.

من جهة أخرى، فإنّ التضخم الوظيفي يرهق موازنة الدولة ويحد من توجهات تحسين الأجور لصالح الكم على حساب النوع. فعلى الرغم من وجود سقف للوظائف Manpower Ceiling إلاّ إنّ ديون الخدمة المدنية لم يتمكّن من ضبط النمو بحسب السقف المعتمد. حيث النمو يزيد على 8 في المئة سنويا وعدد الموظفين يزيد على أربعين ألف موظف؛ أي بمعدل موظف واحد لكل 12 مواطنا.

وقد مسّ التضخم الوظيفي الديوان نفسه الذي يزيد عدد موظفيه بنسبة تفوق السقف الوظيفي حيث عدد الموظفين فيه يزيد على 300 موظف ونسبة النمو تزيد على 12 في المئة. وقد أدى هذا التضخم إلى ارتفاع كلف الباب الأوّل الذي أصبح يستنزف موازنة الدولة، 71 في المئة من إجمالي المصروفات وأصبح الكم على حساب النوع حيث الضغط على موازنة الدولة على محورين، محور زيادة الأجور ومحور التضخم الوظيفي لاستيعاب البطالة وكسب الولاءات بكلّ تلاوينها. وقد ساءت الأمور بصورة كبيرة عندما انغمس ديوان الخدمة المدنية في هذه اللعبة بصورة كبيرة فأفرغ من كفاءاته البحرينية والأجنبية. لهذه الأسباب اعتبر النائب عزيز أبل ديوان الخدمة المدنية عبئا على الموازنة وقيدا على إرادة الوزراء بدلا من قيادة جهود التنمية والإصلاح الإدارى في المملكة.

والمفارقة الجديرة بالتمعن هي أنه على رغم حرص الحكومة على تحسين مستوى المعيشة ورصد الاعتمادات اللازمة، إلاّ أنّ هذه الأهداف الوطنية تصطدم بالبيروقراطية المنفذة وتصبح لها انعكاسات سلبية لدرجة تم وصفها من قبل عضو مجلس الشورى خالد المسقطي بعديمة الجدوى؛ لأنها لم تحقق أهدافها.

إننا حقا أمام معضلة تتفاقم، وحلّها يكمن في إصلاح حقيقي للخدمة المدنية يقوم على مبدأ الكفاءة، ويفعّل المواد الدستورية ذات العلاقة. وكلّ ذلك لن يتحقق إلاّ بتفعيل القوانين الصادرة، والتخفيف من إقحام السياسة في الإدارة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً