العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ

نريدها حكومة إسلامية: لا دينية ولا مدنية

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

دار ويدور جدل عنيف - ليس في بلادنا وحدَها بل في الدول العربية كلّها - حول الدولة الدينية ومخاطرها، كما يدور جدل في الوقت نفسه حول «الإسلام السياسي» ومساوئ هذا النوع من الإسلام، ويطالب البعض بالوقوف في وجه دعاة «الإسلام السياسي»، ويقولون فيه ما قاله مالك - رحمه الله - في الخمر.

الذين تحدّثوا عن «الدولة الدينية» في بلادنا لم يقولوا بدقة أيّ نوع من الحكم يريدون، وما هي صفات الدولة «الدينية» التي يرفضونها وإنما جعلوا الأمر عائما يقبل الكثير من الاحتمالات وربما لهم هدف من هذه التعيمة. أما الآخرون فقد كانوا أكثر وضوحا إذ قالوا إنّ الدين يجب أن يكون بعيدا عن إدارة شئون البلاد، فلا «سياسة» في الدين، والسياسة هنا تعني أيّ نوع من أنواع المشاركة في إدارة شئون البلاد، وإنما ينبغي أنْ يكون دور الدين محصورا في دور العبادة، ويمثل العلاقة بين العبد وربه ولا شيء آخر.

ولكي تكون الأمور واضحة لابدّ من تحديد المصطلحات بدقة، فالدولة الدينية تنسب إلى «الدين» والدين في معناه اللغوي والقرآني يعني الاعتقاد سواء أكان هذا الاعتقاد - من وجهة نظرنا - حقا أم باطلا، فكلّ ما يعتقده الإنسان هو دين، يقول القرآن الكريم: «لكم دينكم ولي دين» وهذا يعني أنّ للمشركين دينا كما للمسلمين دين بغض النظر عن كون دين المشركين باطلا.

وبهذا المفهوم فإنّ مصطلح «الدولة الدينية» مرفوض عند المسلمين كما أعتقد... وهناك مفهوم آخر عند الغربيين للدولة الدينية فهم يرون أنّ الدين علاقة خاصة بين الإنسان ومَنْ يقدّسه أيا كان هذا المقدس، وهذا مفهوم مرفوض أيضا عند المسلمين ؛لأنّ الدين عندهم يمثل كلّ أنواع العلاقات القائمة بين الناس - حكّاما ومحكومين - بالإضافة إلى كونه علاقة بين الإنسان وخالقه بحسب مفاهيم محددة وبدقة.

وهناك مفهوم ثالث يتداوله - أحيانا - مسلمون وغير مسلمين فهؤلاء يرون أنّ مفهوم الدولة الدينية يعني حق الحاكم أن يفعل ما شاء من دون حسيب أو رقيب باعتباره يستمد هذه السلطة المطلقة من الله... وهذا المفهوم - أيضا - مرفوض من المسلمين إذ إنّ الحاكم غير معصوم من الخطأ وأنه يجب أنْ يخضع لمشورة المسلمين قبل توليه الحكم أو قبولهم به بعد ذلك بمحض إرادتهم، وأنه يحاسب كغيره من الناس. وهكذا...

أما مصطلح الدولة «المدنية» فهو يعني الدولة التي تسكن «المدينة» و»المدني» بحسب قواميس اللغة ضد «البدوي» ؛أي ساكن البادية... وهناك معنى آخر شائع بين الناس وهو أنّ «المدني» ضد «العسكري» فيقال: هذا موظف مدني وذاك موظف عسكري، وقد تستعمل الدولة «المدنية» ضد معنى «الدولة الدينية»؛ أي أنّ الدولة «المدنية» تديرها مؤسسات وأحزاب بعكس الدولة «الدينية» التي يديرها فرد يملك كلّ السلطات.

الدولة التي يريدها الإسلام - كما أفهمها - قد تجمع كلّ ما ذكرته عن الدولة «المدنية» وغير ذلك من المواصفات التي يجب أنْ تنطبق على الدولة بكلّ مقوماتها، وهي: بذلك لن تكون دولة «دينية» فقط ولا «مدنية» فقط بل ستجمع كلّ المحاسن؛ لتكون بعد ذلك دولة «إسلامية» بالمعنى الواسع للإسلام.

في الدولة الإسلامية لا يوجد «بابا» ولا «إمام أكبر» ولا «مفتي الأعظم» يقول ما يشاء فيكون قوله تشريعا ملزما لسائر الناس، في الدولة «الإسلامية» لا يوجد «رجال دين» ولا «رجال دنيا» فالكل رجال دين ودنيا في الوقت نفسه، فلا يمكن التفرقة بين عمل الدنيا والدين فكلّ الأعمال تؤدي إلى نتيجة واحدة، فالدولة الإسلامية التي قدّمت أفضل حضارة للعالم كان فيها الفقيه الكيميائي والمؤرّخ الرياضي، وكان فيها الخليفة الذي يبدع في الكيمياء والفيزياء وكان فيها الخليفة الذي يبدع في صناعة المدافع وغير ذلك كثير يصعب حصره.

في الدولة «الإسلامية» لا يوجد حاكم معصوم يقول عن الله فيكون قوله الحق، يزيد في شرع الله ما ليس منه أو ينقص منه ما يريد خضوعا لشهواته ورغباته، بل فيها مثل أبي بكر الصديق الذي أعلنها صريحة أنه ليس أفضل القوم فقال مخاطبا المسلمين: «إني وليت عليكم ولست بخيركم فإنْ أحسنت فتابعوني وإن أسأت فقوّموني» وفيها مثل علي بن أبي طالب الذي جلس مع يهودي عند القاضي الذي عيّنه فيحكم القاضي لليهودي؛ لأن حجته كانت أكثر وضوحا عنده فلا يغضب علي «الخليفة» وهو - من هو - مكانة بين المسلمين.

في الدولة «الإسلامية» تقف امرأة تعترض على الخليفة، ويقف رجل من عامّة الناس يعترض عليه فلا يغضب بل يظهر فرحه؛ لأن الناس في «دولته» أحرار ويعبّرون عن آرائهم بكلّ حرية لا يخشون سطوة الحاكم أو بطشه.

في الدولة «الإسلامية» تقف مجموعة من الناس فتكفر الحاكم وتقاتله وعندما يقول بعضهم لهذا الحاكم: أهؤلاء كفار؟ يقول: هم من الكفر فرّوا، ويقول: هؤلاء إخواننا بغوا علينا... رضي الله عن «علي بن أبي طالب» الذي قال هذا الكلام؟

الدولة «الإسلامية» تحترم حقوق الإنسان - صغيرها وكبيرها - فتحرّم الظلم بكل أنواعه، وتحرّم الاعتداء على النفس أو المال أو العرض، لا تفرّق بين مسلم أو غير مسلم، فالإنسان هو الإنسان تحترم حريته وكرامته وحقوقه.

الدولة «الإسلامية» لا تميز بين مواطن وآخر ولا بين غني وفقير فكلّهم في ميزان هذه الدولة سواء، فالعدل هو الميزان السليم الذي تتعامل به الدولة مع مواطنيها بكلّ فئاتهم.

الدولة «الإسلامية» هي التي تجعل للعمل قيمة عظمى، ومثله للحضارة الإنسانية، فتجعل من مواطنيها قدوة لسواهم في العطاء والقوة والاعتماد على النفس في كلّ شيء والابتعاد - ما أمكن - من الاعتماد على الغير، فالعمل في ميزان «الدولة» جزء من العبادة.

الدولة «الإسلامية» هي التي تجعل الشورى من أهم أولوياتها، فالعقل «الجمعي» خير من العقل الواحد، وإذا كان العقل «الجمعي» لا يتحقق إلا من خلال الجمعيات أو المؤسسات أو ما أشبهها من المسميات؛ فليكن لأنّ تحقيق هذا الغرض قوة لهذه الدولة التي يجب أنْ تكون قوية.

لا نريد دولة «دينية» بالمفهوم السيء الذي يكرّس العبودية للفرد، ولا نريد دولة «مدنية» تسلخ الإنسان من عقيدته بالمفهوم الغربي لكننا نريدها دولة «إسلامية» بالمفهوم الشامل المتسامح للإسلام الذي يحقق الخير - بكلّ أنواعه - لمواطني الدولة «الإسلامية» التي أتمناها.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً