ُدعي مكتشف النظرية النسبية ألبرت اينشتاين إلى حفل عشاء أقامته إحدى السيدات، وفي أثناء الحفل طلبت منه إحداهنّ أن يشرح لها النظرية النسبية فروى القصة الآتية:
سرت ذات مرة مع رجل مكفوف البصر، فذكرت له أنني أحب اللبن، فسألني:
وما هو اللبن يا ألبرت؟
فقلت له: إنه سائل أبيض.
فقال: إنني أعرف ما هو السائل، ولكن ما هو الأبيض؟
فقلت: إنه لون ريش البجع.
قال: أما الريش فإنني أعرفه، ولكن ما هو البجع؟
قلت: إنه طائر برقبة ملتوية.
قال: أما الرقبة فإنني أعرفها، ولكن ما معنى ملتوية؟
عندئذٍ أخذت ذراعه ومددتها، ثم ثنيتها، وقلت له: هذا معنى الالتواء.
فاقتنع وقال: الآن عرفت ما هو اللبن!
ثم التفت إلى السيدة وقال: ألا تزالين راغبة في معرفة ما هي النظرية النسبية؟
في اعتقادي الشخصي إن اينشتاين كان يستطيع أن يجيب عن سؤال السيدة من دون أن يروي تلك القصة المملة ولكنه آثر أن يخاطبها بكلمات تفهمها وأن ينزل إلى مستواها على أن يضيع وقته ويحرق خلاياه في شرح أمور لا تملك تلك السيدة من قاعدتها وأساسها حتى النذر اليسير، وذلك الأمر قد ينسحب بشكل جزئي على اختصاصيي إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم في عدم ردهم على ما طرحناه في هذه الزاوية الأسبوع الماضي من استغاثة أطلقها عدد كبير من طلبة وطالبات مدارس البحرين وأولياء أمورهم ومدرسيهم وكانت تتعلق بمقرر «أسر101» التجريبي الذي يحمل بين طياته مادة نظرية دسمة سيستعصي على الطالب إدراك جميعها في الوقت المقرر، كما سيدفع - أو دفع بالأحرى - بمدرسيهم نحو الهرولة الالقائية في الدروس المقررة على حساب ما تطالب به الوزارة دائما من «جودة التعليم».
خياران فقط... أحلاهما ليس مرّا، بل إنه العلقم نفسه.
الخيار الأول: هو تطلع اختصاصيي المناهج إلى لعب دور الرجل المكفوف الذي ظل يراوح مكانه في طرح الأسئلة التافهة على اينشتاين، وذلك ليس معيبا أو منقصا إذا كان الهدف منه زيادة النقاط المكملة للصورة حتى ينفتح المجال بشكل أكبر لعملية علاج المشكلة بطريقة سليمة، وهذا الخيار لن يلتجئ إليه إلا في حال أبدى اهتمامه المتوقع بهذه المشكلة بجدية التقصي المستمر والسؤال الدائم والنزول التقييمي التفاعلي إلى الميدان ومحاورة المعلمين الأوائل والمعلمين الآخرين والطلبة وإدارات المدارس وأولياء الأمور بهدف اكتشاف الأخطاء وعلاجها قبل استفحالها حتى لا يعتقد البعض أو يفسر عدم رد إدارة المناهج على ما جاء في هذه المشكلة بأنه راجع إلى تفكك زوايا العملية التعليمية التعلمية وسباحة القائمين على منهج «أسر101» بعكس التيار، وعدم اكتراثها بما تتهم به وجهلها بما يكتب عنها أو أن يفترض البعض عدم الشجاعة في أن يقول اختصاصيو المناهج المعنيون بأسلوب أو بآخر معناه «بعد ما ارتأيناه من معطيات نظرية ومتطلبات عملية ونظرا إلى ما تمليه علينا الدراسات الحديثة في فن وضع المنهاج المدرسي لتحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة العملية في الفصل الدراسي فقد تقرر إعفاء الطلبة من الدروس الآتية... الخ، على أن يعاد النظر في تصور ملائم للمنهاج نفسه للأعوام المقبلة».
الخيار الثاني: هو الخيار الأسوأ لأنه إن صدق فإننا فعلا لا نستحق أن نتقدم أية خطوة إلى الأمام، فكيف نتقدم ونحن لا نعرف الطريق بمعنى... من يستطيع أن يضع قدمه في اتجاهات لا يدركها؟ ألا نحتاج إلى بصيرة راشدة مرشدة؟ سيطول الطريق ولن يكون العبور سهلا فاختصاصيو المناهج مسئولون بشكل مباشر عن وضع الأبجديات التي يتلقاها طلبتنا كل يوم. وإن العبث في هذه الأبجديات بهذا الشكل المزري سيبقينا دائما في آخر الركب كمكفوف ضل طريقه فقد البصر والبصيرة وعندها قد نحتاج إلى من يعلمنا معنى الالتواء.
«وإللي على راسه بطحه» أذكر هذه الكلمة لعضو الأكاديمية البريطانية أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة لندن للاقتصاد بيتر باوير «إن تجاهل الحقيقة يشتمل على رفض القبول بالإثباتات البسيطة المتأتية عن الحواس، وإهمال ترابطات عقلية واضحة، وعدم القدرة على إدراك المتناقضات الواضحة».
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ