العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ

خوفا من مستقبل الجامعات البحرينية... وعليها

30 جامعة خاصة في الطريق... البعض منها يستحق التقدير والآخر سوق «نخاسة»

لم تكد تنتهي جلسة مجلس الوزراء صباح يوم الأحد برئاسة رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة والتي أعلنت أن لا تهاون مع أيّة جامعة تخلُّ بشروط الترخيص أو بمعايير الاعتمادية وجودة التعليم التي أقرّها مجلس التعليم العالي، حتى أعلن وزير التربية والتعليم عن 30 طلبا جديدا لافتتاح جامعات خاصة.

خلفية الإعلان الحكومي بتشديد الرقابة على الجامعات الخاصة والتصريح بعدد الجامعات القادمة بمعية رفع الضمان المصرفي لحدود مليون نصف ومليون دينار،أتت عقب نشر «الوسط» أخبارا مؤكدة عن امتناع دولتين شقيقتين (الكويت - عمان) عن الاعتراف بالشهادات الممنوحة من قبل جامعتين خاصتين في البحرين.

ردة الفعل الحكومية السريعة أتت لتدارك الموقف الذي قد تكون له تبعات خطيرة على هذا القطاع، فعدد الجامعات الخاصة في البحرين والتخصصات المتاحة للدراسة فيها كبير نسبيا، وتعتبر دول الخليج المجاورة السوق الحقيقية لهذه الجامعات. ويمثل «القدح» في مهنية وكفاءة المخرجات البشرية لهذه الوزارات تراجعا خطيرا للسوق الأكاديمية في البحرين قبالة أسواق أخرى صاعدة، وخصوصا في دبي وقطر.

الارتفاع الذي طرأ على افتتاح الجامعات الخاصة في البحرين أعطى مؤشرات واضحة إلى نمو سوق اقتصادية جديدة في البحرين، وتستطيع هذه السوق - إذا ما تم توظيفها وتنظيمها بالطريقة الصحيحة - أن تحقق للبحرين موردا اقتصاديا جديدا ومتشعبا. فالاستثمار في المعرفة يمثل اليوم أهم الاستثمارات الحديثة، التي تعود بالنمو على جميع القطاعات في الدولة.

الجامعات العربية... مراتب متدنية

إن دواعي الخوف من أن تتحول الجامعات الخاصة في البحرين إلى سوق «نخاسة» لصناعة الأكاديميين ترتبط في المقام الأول بتشويه وتعطيل وتخريب وتحريف مجمل الأهداف التنموية والاقتصادية في البحرين. وإذا ما طالعنا الترتيب العام للجامعات العربية الحكومية - وهو تصنيف متدنٍ - بين جامعات العالم قاطبة فسنجد أن خطورة الصمت قبالة المؤشرات السلبية عن أداء الجامعات الخاصة هو بمثابة الانتحار السريع للعملية التعليمية برمتها.

إن ظهور الجامعات البحرينية بصورة سلبية - وخصوصا في ضعف المناهج وندرة الأكاديميين المتخصصين أو على مستوى الأستاذية وتدخل الإدارات في أعمال هيئة التدريس - قد ينعكس على مجمل صناعة الجامعات الخاصة، وهو ما قد يؤدي إلى تشويه سمعة جامعات بحرينية أخرى مشهود لها بالالتزام بالمعايير الحكومية وتطور المناهج وارتفاع مستوى الأكاديميين العاملين بها.

وتشير نائبة عميد تنمية الموارد في كلية هاريس لدراسات السياسة العامة في جامعة شيكاغو رجا كمال في معرض مقالها المطول بشأن تقييم الدراسات الأكاديمية في الوطن العربي، إلى أن التعليم العالي العربي «يعمل بشكل غير كفوء ويقدّم متخرّجين يواجهون صعوبة في الاندماج والانخراط في الاقتصاد العالمي»، وأضافت «في دراسة حديثة أجراها كل من مجموعة خبراء التصنيف الدولي (International Ranking Experts Group) والمعهد الخاص بنظام التعليم العالي في واشنطن (Institute for Higher Education Policy)، تم تحديد جامعة عربية واحدة في أسفل القائمة المؤلّفة من 3000 جامعة عالمية. وفي المقابل، صُنّفت بعض الجامعات الإسرائيلية من بين أوّل 200 جامعة في القائمة».

وتوكد رجا كمال أن غالبية الجامعات العربية «تعلّم طلاّبها بماذا يفكّرون بدلا من تعليمهم كيف يفكّرون. لن تلوح في الأفق أيّة آمال بالتحسين إلاّ في حال تبدّلت هذه العقلية سريعا (...) لا يمكن تقدير قيمة الجامعات الرفيعة المستوى على أية ثقافة. لقد استفاد لبنان من الحصول على الجامعة الأميركية في بيروت (AUB). بعد أن تأسست من قبل الإرساليات في العام 1866 ككلية خاصة للفنون الراقية غير العلمانية، أصبحت الـAUB منارة للتغيير في لبنان وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط. وإن الالتزام بالفكر الأساسي وبتعليم شامل ومتنوّع للفنون الراقية الحرّة كان ولايزال متمما لبيان مهماتها».

بحرينيا، ترتبط اليوم ثلاث جامعات خاصة من مجموع الجامعات الخاصة ببرامج أكاديمية أميركية، وتعتبر موجة الارتباط الخليجية بالجامعات الأميركية إحدى الظواهر التي رافقت نشوء سوق الجامعات الخاصة في الخليج، إذ تسعى الجامعات الخاصة إلى ضمان جودة مناهجها عبر ربطها بأرقى المناهج الأكاديمية. ويأتي ذلك في ضوء تصدر الجامعات الأميركية الغالبية المطلقة ضمن أفضل 100 جامعة عالميا.

نسب الإنفاق وأرباح الجامعات

إن مطالعة سريعة لنسب الإنفاق الجامعي على الطلبة عربيا، وهي (اليمن، الصومال، السودان، موريتانيا، جيبوتي، مصر، المغرب، تكشف أن معدل الإنفاق السنوي على الطالب يتراوح فيها بين ( 550 و1500) دولار. الأردن، العراق، فلسطين، الجزائر، ليبيا، تونس، لبنان بمعدل إنفاق (1750 - 3000) دولار. دول الخليج العربي ويتراوح حجم الإنفاق السنوي على الطالب فيها بين (7 - 15 ألف دولار). هذه النسب تؤكد أن السوق الأكاديمية لا تستطيع توفير ذلك المدخول الرفيع للجامعات الخاصة تحديدا، وهو ما يتسبب في تحويل الجامعات الخاصة من مؤسسات أكاديمية إلى مؤسسات تتخصص في بيع الشهادات الجامعية بأرخص الأثمان مقابل تمظهر أكاديمي بسيط، يتمثل في حضور بعض المحاضرات وتأدية بعض الامتحانات الروتينية التي يتحكم الأكاديميون بعد ذلك في تصحيحها وفق رغبات مجالس الإدارات في الجامعات.

وفي هذا السياق، يؤكد الأكاديمي رشود بن محمد الخريف أن كلفة الحصول على البكالوريوس من الجامعات الخاصة العربية عبر المراسلة وما شابه تبلغ اليوم (250) دولارا، والماجستير (290)دولارا، والدكتوراه (340) دولارا، كما يشير الإعلان إلى وجود بعض التخفيضات المغرية، فيمكن الحصول على أي شهادتين بمبلغ (400) دولار أميركي فقط.

من جهة أخرى، تبلغ نسبة الطلبة العرب الملتحقين بالدراسات الإنسانية والاجتماعية والقانونية والإدارية حوالي 78 في المئة من مجمل عدد الطلبة الملتحقين بالجامعات العربية، بينما تتراوح نسبة الطلبة الملتحقين بالدراسات العلمية والتكنولوجية بين (25 و30 في المئة)، وهو ما يؤكد أن دراساتنا الأكاديمية تتسم باللا إنتاجية (عديمة الإنتاج)، وأننا مجتمعات تؤسس معرفيا للاستهلاك فقط.

يضاف إلى كل هذا، أن معدلات الإنفاق الحكومي على البحث العلمي في الغرب تعادل 25 ضعف ما تنفقه الحكومات العربية، مقابل مليارات الدولارات التي تصرف من قبل شركات القطاع الخاص في أميركا وأوروبا على بحوث الجامعات وهو ما يعتبر نادر الحدوث عربيا، إن لم يكن معدوما أصلا.

أوضاع الأكاديميين المبعثرة

ويؤكد الأكاديمي العراقي سيار الجميل أن تخلف الأجهزة التربوية والمؤسسات التعليمية أدى إلى نشوء ظاهرة هجرة الأكاديميين العرب المرموقين للجامعات الأجنبية، ويقول «لقد خسرت مجتمعاتنا في القرن العشرين كثيرا نتيجة هجرة نسبة كبرى من عقول المبدعين والأساتذة المؤهلين بسبب ما تلقوه من سوء المعاملة ووضع العراقيل أمامهم وإحباط مشروعاتهم وقطع أرزاقهم نظرا إلى مكانتهم وسمعتهم أو إبداء آرائهم الفكرية القوية وعدم تكافؤ الفرص بينهم وبين آخرين لا يوازونهم في العلم والمعرفة والتكوين مطلقا».

ويلخص الجميل أهم نتائج هذه الإخفاقات في فشل الجامعات العربية الحكومية والخاصة في تلبية احتياجات المجتمع العربي، كما أنها فشلت ليس في تكوين كوادر علمية ومهنية عربية قوية، بل فشلت في إرساء تقاليد علمية أكاديمية يمكن أن يحترمها العالم كله.

ويضع سيار بعض الاشتراطات المهمة التي لابد أن تعتمد رسميا من قبل اتحاد الجامعات العربية لتسري تطبيقاتها على الجميع من اجل الإصلاح المهني في كل الجامعات العربية، ومنها:

أولا: لابد من فصل الجامعات العربية عن سياسات الأنظمة السياسية باعتبارها مؤسسات علمية وأكاديمية بحتة.

ثانيا: محاولة التعامل مع الكوادر التدريسية على أساس منح الحقوق وأداء الواجبات بشكل متوازن وقانوني ومتعارف عليه، إذ لا يمكن أن يداس على الحقوق المعنوية والشخصية، بل وتمتهن إرادة العاملين من قبل مديرين ونواب وعمداء لهم القدرة في الإيذاء بعدم احترامهم حتى العلاقة والزمالة نتيجة سوء تصرفاتهم وفرض جبروتهم واستخدامهم ابشع الأساليب من دون أي وازع بالمسئولية وأي وجه حق.

ثالثا: إيجاد ميثاق أخلاقي للعمل بموجبه والأخذ في الاعتبار الجوانب المعنوية والإنسانية والأخلاقية في العلاقة القائمة بين الجامعات وأعضاء هيئة التدريس. صحيح أن العقد شريعة المتعاقدين، ولكن لابد من وضع ضوابط أخلاقية في تأسيس توازن من أدب المعاملات وتقديم الأسباب الواضحة في أي إجراء تعسفي يقدم عليه أحد الطرفين.

رابعا: تأسيس نقابة أو أي هيئة عربية حقوقية عليا للدفاع عن المصالح المهنية التي تهدر في الكثير من الجامعات العربية علي أيدي بعض مسئوليها الذين يدركون أنهم يتحكمون في مصائر الناس وأرزاقهم، ولما كانت تتحكم فيهم أمزجتهم الشخصية وقراراتهم الخاطئة وعلاقاتهم المضطربة مع هذا وذاك، فقد أصبحت المصالح المهنية لعدد كبير من أعضاء هيئات التدريس الجامعيين العرب لعبة بأيدي أمثال أولئك المسئولين المزمنين والمخضرمين بين قرنين من الزمن... وكأن الجامعات الرسمية أصبحت مراتع شخصية لهم بعيدا عن سماع أي رأي أو الأخذ بأي مشورة من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين الجميع.

العدد 1852 - الإثنين 01 أكتوبر 2007م الموافق 19 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً