دخل مجلس الوزراء للمرة الأولى وجه طالما أحببناه، عرفناه بشوشا، مؤدّبا، فرض احترامه على الجميع، حتى وإن اختلفوا معه... إنه وزير الإعلام الجديد جهاد بوكمال، ابن المحرّق الجميلة، والعزيزة على القلوب، هذه الجزيرة البعيد أبناؤها عن مرض الطائفية، وهو ابن عائلة كريمة لها بصماتها الاقتصادية والاجتماعية على مسيرة نهضة البحرين.
المأخذ الوحيد الذي سمعته ربما في المجالس الرمضانية التي زرتها منذ قرار تعيينه، أنّ الوزير جهاد بوكمال كوجه اقتصادي لا علاقة له بمجال عمله الجديد، وأنا هنا لا أكابر ولا أزعم أنه ذو خبرة بهذا العمل، لكن النقطة الجوهرية والأهم التي قد لا يعرفها البعض، أنّ مشكلة «الإعلام» ليست مختلفة عن المشكلات الأخرى التي تعاني منها البحرين في أي موقع كان.
ونقطة أخرى يمكن أنْ تورد للرد على منتقدي تعيين بوكمال، وهي أنّ منصب الوزير (وخصوصا في البحرين) هو منصب سياسي - إداري أكثر مما هو مهني/تقني، فنحن نحتاج إلى وزير قادر على أنْ يطبّق القانون على الجميع، وبحاجة إلى وزير قادر على أنْ يلملم أوراق هذه الوزارة المبعثرة، وأنْ يصلح من الوضع الفاسد الذي عشعش فيها ما استطاع سبيلا.
وزارة الإعلام تعاني من تفشي البيروقراطية، وتعاني من تضخم المحسوبية، ومع شديد الأسف أصبح نظام الواسطات هو اليد الطولى في الوزارة، فلا تتفاجأ حين تذهب للتقدّم بشغل وظيفة شاغرة في الوزارة، وتسمع مسئولي التوظيف يتهامسون بعبارة «اش يقرب ليه»، وكأنّ البعض حمل على عاتقه تطبيق «صلة الأرحام» في الوزارة ولكن على حساب الكفاءات الوطنية الأخرى المختلفة مذهبيا أو سياسيا.
ومن غرائب وزارة الإعلام العجيبة التي يجب أن يتصدّى لها الوزير الجديد أنّ هناك أكثر من شخص يتخيّل أنه هو من يقود الوزارة وليس مستعدا للانقياد تحت إمرة وزير واحد، فهناك من دون الوزير مَنْ يرى نفسه خارجا عن المنظومة الإدارية الهرمية في الوزارة، ويجد نفسه أرفع حتى من السلطة التشريعية، وسكوت الوزير السابق على هذه الحقيقة المرة كان خطأ فادحا، وربما كان هذا سببا رئيسيا في عجزه (على رغم محاولاته) عن حل كثير من مشكلات الوزارة، وأتمنى من صميم قلبي أنْ يتجنب الوزير الجديد هذا الخطأ القاتل، ولا يجب ألا يذعن أو يرضخ لأي ابتزاز من أي طرف يسعى إلى الهيمنة على مفاصل «الإعلام» من داخل الوزارة أو من خارجها.
الوزير بوكمال يحتاج إلى وضع خريطة طريق واضحة مبكرا، وتشتمل على برنامج طموح وواقعي وقابل للتطبيق في آن واحد، و هذه الاستراتيجية المعنية بتطوير الإعلام يجب أنْ تتضمن ثمة عناصر محورية، يمكن أنْ نطلق عليها «أ، ب» إصلاح الوزارة ومن دونها لا يمكن توجيه بوصلة الوزارة نحو المسار الصحيح، وحتى نضمن وزارة ناجحة، منتجة تساهم بشكل فعّال في تنظيم القطاعات الإعلامية الحيوية في المملكة، على الوزير الجديد أنْ يراعي هذه العناصر:
1 - ترتيب البيت الداخلي (إعادة هيكلة الوزارة): الطامة الكبرى لأكثر الوزارات ومنها «الإعلام» هو افتقادنا للاستراتيجيات؛ أي أننا لا نعرف بعد خمسة أعوام أين سيكون موقع إعلامنا البحريني، وصحيح كانت هناك بعض المبادرات الفردية من المسئولين، لكنها لا تكرّس العمل المؤسساتي، فسرعان ما تتلاشى مع خروج صاحبها من منصبه لأي سبب كان.
ويجب أنْ يأخذ الوزير الجديد على عاتقه المبادرة في تشكيل مجلس إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون وفقا لمرسوم تأسيس الهيئة، وهذا ما خالفه وزراء الإعلام السابقون، ولحسن الحظ فإنّ هذا التجاوز لم يكن بعيدا عن عيون ديوان الرقابة المالية الذي سجّله في تقريرين متتاليين.
2 - فريق عمل قادر على الإنجاز: قد يوفق أيّ وزير في وضع خطة طموحة لكنه يصطدم بحاجز كبير يدفعه إلى الإحباط، فهو بعد أنْ ينجح في رسم سكة تطوير حقيقية يتفاجأ أنه لا يمتلك فريقا مؤهلا لتنفيذها، فتبقى الخطة حبيسة الأدراج والنتيجة يتردّى وضع الوزارة أكثر مما كانت عليه وهنا الخطورة.
ويجب على الحكومة وكذلك النواب أنْ يتركوا للوزير الجديد فرصة اختيار الفريق الجديد من دون فرض أسماء عليه، وفي هذه المسألة يجب أنْ يكون الوزير صارما أكثر من أي أمر آخر؛ لأنّ الاختيار الصحيح للمسئولين هو بوابة النجاح في الوزارة والعكس صحيح.
3 - مواجهة الفساد المالي والإداري: جميعنا نعلم أنّ ما كشفه ديوان الرقابة بشأن التجاوزات في الوزارة ما هو إلاّ غيض من فيض، وما خفي أعظم، وحتى يتمكّن الوزير الجديد من مواجهة الفساد المالي والإداري يجب أنْ يوفر البديل وهو فرض نظام يقوم على ثلاثية: المكافأة - المراقبة - المحاسبة، وهذا نظام يجب أنْ يوفر تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف والترقي والاستفادة من الدراسات والدورات والعلاوات والامتيازات.
وعلى مستوى إيقاف الفساد المالي يجب على الوزير وضع نظام محاسبي جديد يوقف نزيف الإهدار في المال العام، ويجب عليه أنْ يستعين بشركات وطنية معروفة للتدقيق والمحاسبة وإصدار تقارير سنوية عن أداء الوزارة تعرض على الحكومة والسلطة التشريعية والرأي العام، وعليه أيضا أنْ يقيم حلقة وصل فاعلة مع مجلس المناقصات؛ ليضمن عدم التلاعب بصفقات المناقصات في الوزارة.
4 - تطوير هيئة الإذاعة والتلفزيون: بخلاف الأهداف السابقة فإن هذه المهمة تحتاج إلى مَنْ يشرف عليها من له دراية وخبرة وباع طويل في إدارة المؤسسات الإعلامية، وللإنصاف فإنّ الوزير السابق استطاع أنْ يقطع شوطا مهما وصرف مئات الآلاف من الدولارات لتطوير استيديو الأخبار بالتعاون مع قناة إعلامية معروفة، لكنه أخفق في بحرنة هذا الاستيديو، فالبحرينيون الذين يظهرون على شاشة الأخبار معدودون على أصابع اليد، والوزير يجب أنْ يعمل أيضاَ على تعزيز خطة الوزارة في التسويق والترويج.
5 - فصل قطاع السياحة: من الضروري تكليف شركة استشارية بإعداد دراسة متكاملة عن فصل هذا القطاع تماما عن وزارة الإعلام، ومن دون هذه الخطوة سيجد الوزير صعوبة حقيقية في الاستمرار في قطاع غير منظم ولم يستطع لأسباب متعددة أنْ يمثل الواجهة السياحية التي تليق بالبحرين، وبعض مسئولي هذا القطاع لديهم علاقات مشبوهة مع الفنادق، ويقبضون أموالا مقابل خدمات غير قانونية، وبالتالي فإنّ الوزير سيكون أمام خيارين لحل أزمة هذا القطاع، أما جعله مستقلا أو يتبع مجلس التنمية الاقتصادية وهذا هو الأفضل.
6 - تقنين صلاحيات المطبوعات والنشر: الوزير مدعوّ إلى وقف ملاحقة المواقع والمنتديات والمدونات الإلكترونية، وتقنين صلاحيات إدارة المطبوعات؛ لأنّ هذه الإدارة أثبتت أنها ليست قادرة على استيعاب مشروع الانفتاح الذي أطلقه جلالة الملك، وبسببها تراجع تصنيف موقع البحرين في عدد مهم من التقارير الدولية المعنية بقياس مؤشرات الانفتاح من خلال حرية طبع وتداول المطبوعات الإعلامية.
7 - إصدار قانون جديد للصحافة متوافق عليه: أثار قانون الصحافة الحالي (الذي صدر في العام 2002) بمرسوم سبق انعقاد المجلس الوطني ردود فعل غاضبة من العاملين في حقل الصحافة البحرينية، وهذا القانون صمم بطريقة خاطئة، وبفعل هذه المعارضة الكبيرة شكّل سمو رئيس الوزراء لجنة لدراسة القانون، لكن شيئا لم يحدث على أرض، كما أجهضت كلّ المحاولات البرلمانية لإصدار قانون جديد، وتمت جرجرة الكثير من الصحافيين لساحات المحاكم بفعل هذا القانون، فالوزير مدعوّ للتشاور مع نقابة الصحافيين (تحت التأسيس) وجمعية الصحافيين البحرينية والكوادر الأخرى غير المنضوية تحت هذين الكيانين لإصدار قانون صحافة عصري ومتطوّر يلائم خصوصية البحرين من حيث الحرية المدنية والسياسية.
8 - تقنين الإعلام المرئي والمسموع: ما زالت الدولة هي المتحكّمة في مفاصل الإعلام المرئي والمسموع في المملكة، والحكومة عرقلت مقترحا من مجلس الشورى بإصدار هذا القانون المهم، ويجب على الحكومة أنْ تفتح الباب أمام الاستثمار في القطاع الإعلامي المرئي، وأنْ تعمل على استقطاب مشروعات الفضائيات المحلية والدولية. ونتمنى مرة أخرى أنْ يعمل الوزير على إقناع الحكومة بأهمية هذا القانون لإصداره سريعا.
9 - استقطاب الكفاءات البحرينية: يا سعادة الوزير... الكثير من شبابنا وشابتنا تعرضوا لإقصاء وتهميش أو على الأقل عدم رعاية لعطائهم في بلدهم، واحتضنتهم فضائيات المنطقة، وشغلوا مواقع قيادية فيها، وهذه الكفاءات يجب أنْ تعود حتى وإن تطلب الأمر أنْ ندفع اليهم أكثر، ويا سعادة الوزير أنا واثق أنّ هؤلاء لن يكلفوا الوزارة حتى نصف ما تدفعه لمن يحملون مؤهلات مماثلة أو حتى أقل من الأجانب.
والعجيب أنّ الوزارة لا تسعى للحفاظ حتى على ما تبقى من كفاءات، فهؤلاء يعملون بأجور متدنية وفي ظروف عمل غير مهياة للابداع، ولا يحصلون حتى على حقوقهم، وخير مثال على ذلك أنهم يدخلون في حرب حتى يحصلوا على تعويض على ساعات الدوام الإضافية، ويجب أنْ يضع الوزير حدا لهذا المسلسل.
10 - الشراكة مع القطاع الخاص في تطوير قطاعات الإعلام: ليكن الاستثمار في قطاع الإعلام أولوية من أولويات الوزير الجديد، وخلفيته في غرفتيه التجارة والاقتصادية في مجلسي النواب ومن ثم الشورى تجعله مدركا أكثر من غيره لأهمية الشراكة مع القطاع الخاص، والخطوة الأولى في هذا الطريق هي كسر الاحتكار الحكومي لقطاع الإعلام (المدينة الإعلامية في دبي مثالا)، وهناك خطوات ناجحة في الأردن وقطر أيضا، ونتمنى ألا نبقى خارج القائمة طويلا.
لا أزعم أنّ مهمة الوزير ستكون سهلة البتة، بل من السذاجة تصوّر أنّ الوزير سيكون صاحب يد سحرية لإنقاذ هذه الوزارة المهمة؛ لأنّ «الإعلام» ليست مكانا للراحة إطلاقا، واعتقد أنّ الوزير بوكمال يدرك هذه الحقيقة قبل تعيينه، فهذه الوزارة بحاجة إلى تضميد الجراحات النازفة وهي كثيرة، ويجب أنْ يعطى الوزير الفرصة لإصلاح الوضع مع تحقق منجزات يمكن أنْ تمنح مؤشرا جيّدا للرأي العام... ونقولها: «أهلا بوكمال... هل حان وقت إنقاذ «الإعلام»؟
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1851 - الأحد 30 سبتمبر 2007م الموافق 18 رمضان 1428هـ