العدد 1851 - الأحد 30 سبتمبر 2007م الموافق 18 رمضان 1428هـ

الحرب على الفساد... حاجتنا إلى قانون وطني لحماية قارعي الأجراس

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

تناولنا في مقالنا السابق تصريحات سمو ولي العهد بشأن محاربة الفساد، والذي دعونا فيه إلى ترجمة عملية وواقعية لهذه التصريحات عبر تكريس الجهود المشتركة لاجتثاث قيم الفساد والأعراف المجتمعية الساندة له وذلك من خلال سد الفجوات التشريعية ومعالجة الأبنية والتفصيلات القانونية التي من الممكن أن تساهم بشكل غير مباشر في أقلمة الكثير من ضروب الفساد المؤسساتي والمنظم.

وامتدادا لما طرحناه فإننا ومن خلال زاوية الحديث عن تلك القيم والنواقص والفجوات التشريعية المهيأة للفساد من منظور إصلاحي يبتغي تغييرا جذريا، فإننا نؤكد حاجتنا إلى الكثير من الخطوات العملية الملموسة التي وإن لم تنجح في اجتثاث مثل تلك القيم الرجعية الموبوءة إلا أنها تخدم غاية استبدالها وإخضاعها وحصرها في أضيق نقطة اجتماعية وسياسية مؤسسية! ومن بين تلك الخطوات الضرورية اللازمة وجود مبادرة حسنة لعمل صيغة قانونية وطنية تسهم في توفير الحماية الشرعية لـمن تطلق عليهم الكثير من الأدبيات والمفرزات الخطابية الرمزية اصطلاح «قارعي الأجراس»، وهو ما يشمل الأفراد الذين يسعون للكشف عن حالات الفساد المتعددة في مختلف المواقع والجهات، سواء أكانوا موظفين بها أو متعاملين معها أو مراقبين وشهودا لمخالفاتها وجرائمها القانونية المتواترة والمتكررة باستمرار من دون أن يتم إيقافها والتعامل معها بجدية وصرامة! فالكثير من «قارعي الأجراس» ذهبوا للأسف قرابين لشياطين الفساد وصراصير الظلام المؤسساتي، وضحايا ما «اقترفت» يداهم من فضح وتبليغ عن حالات الفساد والمفسدين أكان ذلك ضمن القنوات المؤسساتية الداخلية، أو حتى عبر التعاون مع وسائل «السلطة الصحافية الرابعة» والسلطة التشريعية بعد أن انتفت الجدوى العملية والمنطقية لجميع السبل الودية والوردية! فتم جراء ذلك تحطيم جماجمهم بأجراس الحق التي قرعوها، كما تم إخماد شعلتهم وإسكاتهم بتلبيسات قانونية وفقهية إما باتهامهم بإفشاء «أسرار العمل» أو الإضرار بمصالح جهة العمل أو إثارة عدم الاستقرار أو حتى التعامل والتخابر مع جهة خارجية لا تريد خيرا لجهة العمل أكانت الصحافة أو السلطة التشريعية أو حتى كبار مسئولي الدولة! وجميعنا يعلم بأن «قارعي الأجراس» وأمثالهم كثير ممن اتهموا زورا بكونهم مشاغبين وفوضويين وجاحدين وناكرين للجميل يقعون على النقيض والجهة الحدية المقابلة للفاسدين والمفسدين، وذلك بكونهم يفتدون المصلحة الوطنية العامة بمصالحهم أو حقوقهم المشروعة، والتي من أبسطها الحق في الحصول على الراتب والترقية والتقدير، ففي حين كان بإمكانهم السكوت عن تلك الجرائم الاستغلالية التي تضر بالمصلحة الوطنية العامة وتجاهلها، والاكتفاء بالتفكير في مواعيد تسلم الرواتب والمكافآت والترقيات المجزية نظير ذلك السكوت العاقل أو الابتعاد عن هذا الشر المستطير والغناء له بأجمل الألحان أخذا بالمأثور الشعبي الجدلي! فنظرا لجسامة التحديات التي يواجهها «قارعوا الأجراس» في مؤسساتهم نظير إقدامهم على الكشف عن مواطن وبؤر الفساد والاستغلال والتحايل على القانون ورهن المصلحة العامة في سوق النخاسة التجارية وحتى السياسية، وذلك ضمن واقع جتماعي سياسي ومؤسسي مريض، فإنني أرى وجوب أن يتم ومن خلال جهد مواز لتأسيس الحماية القانونية اللازمة لهم أن يتم تكريمهم والاحتفاء بهم من قبل الدولة، والإشادة بهم علنا كمواطنين صالحين قبل أن يكونوا موظفين مثاليين في مؤسساتهم، فهؤلاء هم الأبطال والفدائيين وجنود الوطن الحقيقيين المثابرين خلف كواليس مؤسسات القطاع العام والخاص. ومثلما سيساهم تحقيق حلم الإنصاف لهؤلاء المتصدين للفساد والاحتفاء بهم بعد أن تشملهم الحماية القانونية اللازمة، إذا ما أقرت صياغة شرعية حولها، في خلق وترويج ثقافة مؤسساتية عصرية، فإنه سيسن بالمثل أعرافا مبدئية لا غنى عنها في مؤازرة بيئة حقيقية لتعزيز الأداء الإنتاجي الفردي والترقي الجماعي بدلا من أن يتم التفكير بأن المؤسسة من الأفضل أن تكون «العزبة» و»المزرعة الخاصة» و»الحزب السياسي» وربما حتى يسهل التأقلم مع أجوائها الموضوعية! فلو كتبت الحياة والنجاة لهذا القانون فسيلعب دورا لا خلاف عليه في تفعيل دور المجتمع المدني والصحافة والنقابات لتكون خير سند وداعم للحرب ضد الفساد، وسيعزز من الثقة المشتركة بين تلك الأطراف الحيوية الفاعلة والدولة حينما تطبق العدالة والإنصاف على الجميع، وبعد أن تعاد لحكم القانون هيبته لا أن يستخدم كمينا لإسقاط وتخوين المخلصين وترقية الفاسدين.

كما أن سن مثل هذا القانون وتطبيقه بمنتهى الفعالية التنفيذية سيلعب دورا احتوائيا بارزا في قطع طريق الذرائع والحجج المتحقق بعضها أمام بعض الأطراف «الجلبية» الساعية لممارسة التعليب والتغليب السياسي الانتهازي لمختلف القضايا والأزمات، وبالتالي يقوم عبر استغلالها وتطييفها الدؤوب بالاستقواء السياسي بالخارج لتصفية عدد من الحسابات السياسية وفرض أجندة مصلحية ضيقة للمساومات المفتوحة. ناهيك من ما سيشكله وجود مثل هذا القانون من دعم للجهود الانتقالية الرامية لإرساء دعائم الحكم الصالح في بلادنا بمختلف الأبعاد العمومية الشاسعة لهذا المفهوم.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1851 - الأحد 30 سبتمبر 2007م الموافق 18 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً