بعض المسلسلات تدعوك منذ الحلقة الأولى إلى متابعتها يوميا فتحجز مكانها في جدولك وتحثك على التفكير فيها والحديث عنها في مجالسك. من هذه المسلسلات «باب الحارة 2»، للمخرج بسام الملا، والذي يقوم ببطولته نخبة من نجوم سورية منهم: عباس النوري، صباح الجزائري ووفاء موصلي.
في هذا المسلسل يقبض أصحاب «باب الحارة» في جزئه الثاني، على الماضي القريب بلحمه وشحمه. ويمسكون بالصورة كاملة، وبتفاصيل وهوامش تحثّ مشاهدها على أن يقارن بين ماضٍ متخلف تقنيا، ومتقدم إنسانيا. وبين حاضر متخلف تقنيا وإنسانيا معا.
يعرض «باب الحارة» لأحد أحياء مدينة دمشق، في عشرينات القرن الماضي، حين كان الصراع على المنطقة على أشده، بين مستعمر أفل نجمه (السلطنة العثمانية)، ومستعمرين جديدين (انجلترا - فرنسا) يريدان الاستفادة من إرث كبير وواسع سيخلفه انهيار الإمبراطورية العثمانية.
الحارة الدمشقية النموذجية، تدعم التحرر من العثمانيين. لكن الظرف السياسي، يبدو هامشيا في العمل. ويسلسل حوادث العمل بدقة من دون أن يضجر الرائي إليه... تشتق من حدث صغير، سلسلة أحداث تتنامى هرمونيا كخلايا تخلق خط العمل الدرامي المتين. والدراما هنا ليست مربوطة بمفهوم هجين عن الدراما بأنها تلفزيونية فقط. إنها درامية الصورة، كحال تشكيلية، لـ «لوحة»، لا ترهق نفسها بحمل مناخ سياسي آني، سوى أنه إشارة، ليس أكثر.
وعلى رغم أن اختفاء شخصية «الأحد عشري» التي يؤديها بسام كوسا، في الجزء الثاني له تأثير كبير، لكن الشغل على التفاصيل بشكل أكبر في الجزء الثاني، أضفى على العمل طاقة كبيرة، شدت المشاهدين أكثر. فالمؤلف اعتمد السير عكسيا، وانتقل من الرواية إلى القصة القصيرة.
صباح الجزائري فنانة محترمة استطاعت أن تعيد الجمهور إليها، بعد أن كاد يتخلى عنها لقلة أعمالها في الآونة الأخيرة، تقدم دورا كبيرا بحجمه وقيمته، شخصية المرأة القوية في مجتمع ذكوري بأعرافه وتقليده، تقف دائما على خيط رفيع بين الشر والخير، ولو بدت ميّالة إلى الخيار الثاني أكثر. استلهمت قوّتها من كونها شقيقة «أبوشهاب» حامي الحارة والممسك بقرارها... إنها ممثلة كبيرة بحق، كما هو بسام الملا مخرج شغوف بفن البصر. و «باب الحارة» بمجمله، عمل حقيقي عن حياة تمتّ إلينا بِصلة فكان «خوش مسلسل ننصح بمتابعته».
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1849 - الجمعة 28 سبتمبر 2007م الموافق 16 رمضان 1428هـ