العدد 1849 - الجمعة 28 سبتمبر 2007م الموافق 16 رمضان 1428هـ

سيناريو الحرب: احتمال وارد أم مجرد خدعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد هدوء نسبي بشأن احتمال الحرب على إيران عادت موجة التذكير بوجود خطة تستهدف ضرب البنى التحتية والمؤسسات والمعاهد والمختبرات التي تتعاطى في مجال الملف النووي. والكلام الذي نقلته صحيفة فرنسية ونسبته إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتين يؤكّد على سيناريو عسكري يمكن أنْ تنفذه إدارة واشنطن بين نهاية رمضان ونهاية السنة الميلادية الجارية. وخطة السيناريو تقوم على فرضية «الضربة الاستباقية». وتبدأ الضربة حين تقوم طلعات جوية إسرائيلية بتنفيذ غارات على شبكات إيرانية تعمل في إطار البرنامج النووي. هدف الضربة الاستباقية استدراج إيران للرد على الهجمات، وهنا تتدخل القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة ومحيطها لمنع الهجوم المضاد فتحصل مواجهة عسكرية مخطط لها أنْ تستمر لعدة أيام.

هذا السيناريو العسكري نشرته صحيفة فرنسية نقلا عن مصادر رفيعة المستوى وعلى صلة مباشرة بمقر الرئاسة الروسية. وقبل السيناريو الفرنسي نشرت صحيفة بريطانية في الشهر الماضي خطة مشابهة أكّدت فيها وجود مشروع ضربة جوية ضخمة تستهدف تحطيم 1200 هدف تعتقد الإدارة الأميركية أنها تعمل على إنتاج «أجندة سرية» غير تلك التي تعلن عنها طهران. ويأتي تجديد الكلام عن سيناريو حرب جوية بعد سلسلة تطورات لافتة للنظر حصلت في الأسابيع الآخيرة منها تلك الغارة التي خرقت «جدار الصوت» في شمال سورية في السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري. ويتصادف الكلام أيضا مع جملة قرارات غير إلزامية وسياسات مبهمة أعلن عنها في «تقرير سبتمبر» عن رؤية الإدارة لمستقبل بلاد الرافدين ثم موافقة الكونغرس على خطة غير ملزمة للتقسيم الطائفي والمذهبي وأخيرا طلب واشنطن رفع موازنة الحرب إلى 190 مليار دولار تحت بند تغطية كلف نفقات العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق.

كلّ هذه الأجواء الساخنة المشحونة بالذخائر تذكر بجدول أعمال تلك الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلي ايهود أولمرت إلى واشنطن واجتماعاته مع الرئيس جورج بوش وهيئات عسكرية تشرف على إدارة «البنتاغون». فالزيارة كانت مناسبة لفتح ملفات المنطقة وجرى خلالها التأكيد مجددا على ضرورة اعتماد الدبلوماسية في سياسة التعامل مع «الملف النووي» الإيراني. ولكن اللقاءات الثنائية حددت مهلة زمنية تنتهي في أواخر السنة الميلادية الجارية وبعدها سيعاد النظر في الأسلوب الدبلوماسي.

الجديد في تلك الزيارة كان تحديد مهلة زمنية في التعامل الدبلوماسي، الأمر الذي فتح باب التكهنات إلى وجود أساليب أخرى غير مطروحة علنا. والأمر الآخر اللافت في الزيارة أنّ الرئيس بوش بادر إلى طرح فكرة الدعوة إلى عقد «مؤتمر دولي» لمعالجة أزمة «الشرق الأوسط».

حتى الآنَ لم تتوضّح صورة المؤتمر ولا برنامجه ولا الأطراف المدعوة إليه ولا الآليات المطلوب اعتمادها لجعله يتحرّك في سياق ميداني يتجاوز المشهد التذكاري. وبانتظار أنْ تعود وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في زيارة سابعة للمنطقة في أقل من سنة فإن جدول أعمال «المؤتمر» ستبقى عرضة للتأويلات إلى فترة قد تمتد إلى ما بعد عيد الفطر. إلاّ أنّ الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بعد خروجه من اجتماع عقد في نيويورك وضم رايس إلى جانب وزراء خارجية ثماني دول يثير القلق بشأن خطر «حصول مواجهة» بين إيران والقوى العالمية. فالوزير السعودي أكّد أنّ الاجتماع تطرّق إلى «الملف النووي» ورأى من أجواء الكلام «مواجهة قادمة».

سيناريو الحرب إذا لم تسقطه الإدارة الأميركية من حساباتها العامّة. فهو مشروع خفيّ لا تعلن واشنطن عنه وإنما تكتفي بالتلميح إليه في كلّ لقاء أو محطة زمنية. وفي كلّ مرة تقوم مصادر مطلعة وقريبة من إدارة بوش بتسريب معلومات غامضة عن خطة حربية تعتزم واشنطن تنفيذها في حال فشلت الدبلوماسية في التوصّل إلى حل نهائي يتناسب مع التصوّر الأميركي للأزمة.

التسريبات الحربية كانت كثيرة ومتنوعة وجرى تهريبها عبر قنوات متعددة. حتى أنّ هناك تسريبات وصلت إلى درجة تحديد يوم الهجوم. فمرة نقلت صحيفة روسية عن مصادر مخابرات أنّ موعد الضربة سيكون في 6 أو 9 أبريل/ نيسان الماضي. ومرّ اليوم من دون حادث يذكر. ومرّة نقلت صحف أوروبية عن احتمال حصول «حرب كبرى» في الصيف الجاري. ويكاد الصيف ينتهي ولا وجود مؤشرات لاحتمال حصول حرب في الأسابيع أو الأيام الجارية.

احتمال أم خدعة

السؤال إذا ماذا تريد واشنطن من هذه التسريبات الصحافية والمخابراتية عن احتمال نشوب حرب مدمرة؟ هناك احتمالات كثيرة منها مثلا تخويف دول المنطقة من انهيار كبير ودفعها نحو طلب الحماية. ومنها تخويف إيران من دمار شامل ودفع قيادتها نحو تقديم تنازلات كبيرة لدرء الخطر الأكبر. ومنها أيضا الضغط على دول الجوار واستدراجها إلى «مؤتمر دولي» في الخريف لا وظيفة له سوى تلميع صورة إدارة أميركية تبهدلت سياسيا ودوليا بعد انتخابات الكونغرس النصفية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

كلّ الاحتمالات تبدو مطروحة على جدول أعمال واشنطن من تأمين عقد صفقات تسلح بقيمة المليارات إلى تغطية موازنة عسكرية تبلغ 190 مليارا لتأمين حاجات الاحتلال في أفغانستان والعراق للعام المقبل. حتى الكلام عن وجود مخططات لتنظيم «القاعدة» يريد تنفيذها في أوروبا والولايات المتحدة على غرار حجم هجمات 11 سبتمبر 2001 لا يمكن عزله عن سياسة عامّة تعتمد استراتيجية التوتير والتقويض و«الضربات الاستباقية» في التعامل مع الملفات الساخنة. وتحت هذا السقف المبرمج بالاحتمالات الغامضة يمكن قراءة تلك المهلة الزمنية التي اتفق عليها أولمرت مع بوش خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

يبقى السؤال: هل المنطقة مقبلة على حرب تعتمد أسلوب «الضربة الاستباقية» لاستدراج القوى الأقليمية للرد أم أنّ الكلام مجرد تسريبات مخابراتية للصحف؟

القيادة الإيرانية تبدو مطمئنة وغير خائفة. وهناك تصريحات كثيرة تؤكّد على أنّ الولايات المتحدة ضعيفة وغير قادرة على خوض حرب جديدة استنادا إلى معلومات أو تحليلات تشير في مجموعها إلى أنّ إدارة واشنطن غير مستعدة وقواتها غير جاهزة لدخول مغامرة عسكرية وتحمل نتائجها السلبية في العراق والخليج ولبنان وفلسطين وغيرها من مناطق وأمكنة. حتى الرئيس الإيراني كرر في خطب أطلقها في منابر مختلفة على أنّ التهديد بالحرب مجرد سياسة تريد الضغط نفسيا على طهران بقصد إجبارها على تقديم تنازلات تحت طائلة التخويف والوعيد.

الجواب النهائي مقفل على احتمالات مختلفة. والمعلومات التي تسرب فترة بعد أخرى وتنسب إلى أجهزة مخابرات ومصادر عليا قريبة من مراكز القرار قد تكون صحيحة أو مجرد خداع للارباك بقصد توتير أجواء المنطقة ووضع دولها في دائرة خطر وشيك. والخطر الوشيك يزيد من غموض الرؤية ويؤدي أحيانا إلى قراءات خاطئة تعتمد على حسابات غير دقيقة تشجّع القوى على «تكبير الرأس» والانجرار نحو الدخول في مغامرة مجهولة النتائج. وهذا النوع من التفكير المغامرلا يتأسس على فراغ وإنما ينهض عادة وفق معادلات هندسية أكاديمية ليست بالضرورة مبنية على عقلانية تأخذ في الاعتبار موازين القوى الكلية في أحجامها النهائية وحساباتها الكبرى. ومثل هذه التصوّرات الهندسية تقرأ الجزئيات ولا ترتقي في منهجها إلى مستوى إدراك الكليات.

التسريبات الصحافية التي تصدر تباعا عن احتمال وجود سيناريو حرب في المنطقة قد تكون للتخويف والتوتير والخداع... ولكنها أيضا تحتمل قراءة أخرى تتصل بجس نبض دول المنطقة ومدى استعداد قواها لخوض مغامرة عسكرية لاخلاف على مَنْ سيكون الطرف المتفوق فيها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1849 - الجمعة 28 سبتمبر 2007م الموافق 16 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً