لو تحدثنا مع بعضنا بعضا بصراحة «عابرة»... أي بمستوى من الصراحة الذي لا يمكن أن تكون صراحة حقيقية إن جاز لنا التعبير... لو تحدثنا بتلك الصورة، لوجدنا أنفسنا نهاجم بعضنا الآخر بسبب الاكتشافات المهولة التي نعلم بها في قرارة أنفسنا لكننا لا نظهرها، وطامتنا الكبرى في هذه البلد، أن الشعارات تتقدم وتتسيد وتتصدر كل شاردة وواردة، لكن إن جئت للعمل الحقيقي، فعمك أصمخ يا سيدي، ومبروك علينا هذه النعمة.
كل ما حولنا أصبح يسير وفقا لشعارات المرحلة، وشعارات النائب، وشعارات العضو البلدي، وشعارات المؤسسة الدينية وشعارات الموالين وشعارات المعارضين، وربما ظهرت موجة جديدة من شعارات المجنسين، وأخرى من الباحثين عن المجد والصمود والرفعة بلا «وطنية حقيقية» ولا يحزنون، لكن ما يحزننا حقا، أنه أمام الحقائق، ندير رؤوسنا ونخفيها في التراب!
وبمناسبة إخفاء الرؤوس في التراب، ومن باب الترفيه عن أنفسنا مع قرائنا الأعزاء، أود التنويه إلى معلومة، وأعتقد أن الكثيرين علموا بها، وهي أن مجموعة من علماء الحيوان نفوا أن تكون النعامة، خلاف ما عرفه الناس عنها، تخفي رأسها في الرمال حينما تواجه خطرا.
المدهش في الأمر، أن علماء السلوك راقبوا النعامة جيدا... أخافوها بالسلاح فلم تستجب لهم... هددوها بالقتل وإهدار الدم، فلم تخف! وضعوها في القائمة السوداء... منعوا عنها رزقها ورزق عيالها... أرضخوها لقوانين أمن الدولة... أرهبوها بالتسفير... رغبوها في المناصب... كل هذه الأمور لم تمكن العلماء من إثبات حقيقة أنها تدفن رأسها في الرمال إطلاقا، بل حتى عندما ثبت بالدليل القاطع أنها متورطة في قضايا فساد مالي وأخلاقي، لم تدفن رأسها في الرمال، بل هي كالصخرة!
فعلماء الحيوان يقولون إن النعامة لا تدفن رأسها في الرمال، بل منحها الله القدرة على الجلوس وإخفاء قدميها ثم ضم رأسها تحت جناحها لتصبح لمن يراها من بعيد وكأنها صخرة، لكي تتقي الخطر وتنجو.
في ظني أن تلك القصة القصيرة المقحمة إقحاما، كافية لنفهم السلوك «الزوبعي» الذي يتمتع به الكثيرون في بلادنا! حتى أصبح الظاهر من العمل والمقصود من الفعل هو الكيد والتآمر! ومع شديد الأسف، فإن الكثير من الأسئلة النيابية ولجان التحقيق، والكثير من المنتديات والمحاضرات والملتقيات، بدت وكأنها جزء من كيد خفي، ليس من ورائه تحقيق المصلحة العليا للوطن ولا الأمر يدخل في إطار الحركة المطلبية ولا يحزنون.
الطامة الكبرى، وخصوصا بالنسبة إلى النواب، هي أن الآلاف من الناس المخدوعين اكتشفوا الآن أنهم خدعوا، والويل لمن خدعهم
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ