ليس من المبالغة القول إنّ كلّ شيء في هذا البلد يرتبط بالتعليم. من برامج التنمية وتحقيق أهداف الألفية التي حددتها الأمم المتحدة، إلى علاج المشكلة الأكبر والأخطر: البطالة. من هنا إصرارنا على محاربة الفساد والمحسوبية والتلاعب بوزارة التربية وما يجري من تفريط بكل ما تم إنجازه خلال ثمانين عاما.
في كلّ الأدبيات التي تتحدّث عن تاريخ البحرين الحديث، هناك محطة لابدّ من التوقف عندها، وهي العام 1919، الذي شهد انطلاقة التعليم النظامي. وهناك محطاتٌ أخرى في مسيرة التعليم، مع بدء البعثات للطلاب في الأربعينات، وللطالبات في الخمسينات.
أحد الاشكالات التي تواجهنا فعلا هو «التسييس» من قبل بعض الأطراف، تغليبا لمصالح فئوية ضيّقة على حساب المصلحة العليا للوطن. وفي مقدّمة القضايا التي يجري تسييسها لقمع الأصوات الناقدة للممارسات الخاطئة في الوزارة، قضية التشكيك المتعمّد في مؤهلات الخريجين من طالبي العمل بسلك التعليم، وهم مواطنون يتمتعون بحق دستوري في العمل.
وإذا كان ثمة ضعفٌ مزعومٌ في مستوياتهم، فمن حقّ الوزارة أنْ تؤهلهم ببرامج تربوية؛ لنضمن جودة تعليمٍ لأجيالنا. وهي سياسة سبق أنْ طُبّقت فآتت ثمارها المرجوّة، فحصل هؤلاء على فرصتهم في خدمة الوطن والمشاركة في التنمية وكسب العيش الكريم. أمّا أنْ يتم تسليط بعض الأقلام للتشكيك في قدرات وكفاءات الخريجين كلما وُجّه نقدٌ للوزارة، فهو مسلكٌ بعيد عن الروح الوطنية المسئولة؛ لأنّ البديل إغراق سلك التعليم بالكوادر المستوردة، وتسليمها مهمة تعليم الأجيال.
تجربة التعليم في البحرين فيها جوانب كثيرة مضيئة، ومنها تجربة معهد المعلمين الذي خرّج آلاف الكوادر من الجنسين، التي لم يقتصر عطاؤها على البحرين، بل ساهمت في الدول الشقيقة المجاورة كالإمارات وقطر وعُمان. واليوم لدينا جامعتان (البحرين والخليج)، وأكثر من عشر جامعات خاصة، ومئات البعثات لأقطارٍ عربيةٍ وأجنبية، أفلا يوجد خللٌ كبيرٌ حين نظلّ نستورد المعلمين من الخارج حتى للمرحلة الابتدائية؟
اليوم، حين تتحدّث أدبيات الأمم المتحدة عن التجارب التعليمية الناجحة في الوطن العربي، فإنها تذكر الأردن، وهو كيانٌ لم يتشكّل إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى؛ وهي الفترة التي انطلقت فيها مسيرة التعليم النظامي في بلدنا، وقبلها أيضا كان واحة للعلم تنتشر فيها المدارس الأهلية. فلماذا يتقدّم الآخرون ونتعثّر نحن في خطواتنا؟
إذا كان هناك ضعفٌ في التأهيل، فمستوى النقاش يجب أنْ ينتقل إلى الجامعات التي يتخرّج منها أبناؤنا وإخواننا، وخصوصا جامعتنا الوطنية، فهي التي أغلقت مسار التربية، فابحثوا عن الخلل هناك أوّلا وحاولوا إصلاحه قبل فوات الأوان.
ثم إن بقاء الاعتماد على استيراد الكوادر الخارجية بعد ثمانين عاما، يدل دلالة فاحشة على الفشل في توطين التعليم، خصوصا مع وجود الأعداد الكبيرة الراغبة في العمل بهذا السلك. ويدلّ أيضا على عدم وجود خطةٍ وطنيةٍ للإحلال، ويوازي ذلك سياسات تطفيش طاردة للخريجين من التعليم، وازدواجية غير مفهومة في الكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي استخدم «الامتحان» و«المقابلة الشخصية» في إقصاء مئات الخريجين في السنوات الماضية، كانت السفارات العربية ترفض تطبيق هذه الإجراءات على المستقدَمين من بلدانها، لما يمثله ذلك من تشكيكٍ في جامعاتها الوطنية.
خللٌ... أم تعثرٌ أم أجندةٌ خفية يطبّقها البعض؟ في كل الأحوال، لا يعفينا ذلك من الاستمرار في قرع الأجراس
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ