العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ

العراق: الحرب، الوباء، والتقسيم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاث نقاط تنتظر العراق ومحيطه في الأشهر المتبقية من الولاية الثانية لعهد الرئيس جورج بوش، وهي: الحرب، الوباء، وتشطير بلاد الرافدين.

النقطة الأولى تتعلق بموازنة الحرب التي طلبتها إدارة واشنطن من الكونغرس لتغطية كلفة العمليات في السنة المقبلة. الموازنة هائلة الحجم وتفوق كل التوقعات ويرجح أن تشكل مادة نقاش بين أعضاء المجلس. فالإدارة طلبت 200 مليار دولار موازنة الحرب لتغطية نفقات العمليات في أفغانستان والعراق وهي زادت 47 مليارا عن التوقعات الأمر الذي طرح أسئلة بشأن تلك الزيادة وأوجه صرفها.

النقطة الثانية تتصل بوباء الكوليرا الذي أخذ ينتشر ويتفشى وينتقل من شمال العراق إلى البصرة وصولا إلى بغداد حاصدا الأرواح إلى جانب المفخخات اليومية. ومثل هذا المرض الخطير إذا لم يكافح يمكن له أن ينتشر خارج الحدود طارحا سلسلة أسئلة عن معنى وجود الاحتلال ودوره في إهمال أبسط مطالب الإنسان وحقه في حماية حياته من أمراض وبائية تهدد صحته ووجوده.

النقطة الثالثة لها علاقة بمصير العراق وهويته ومستقبله. وهذه النقطة لا يمكن عزلها عن موازنة الحرب وتغطية كلفة الاحتلال ولا عن الوباء (الكوليرا) الذي أخذ يتفشى وينتشر. فالمشروع الذي تقدم به نائب ديمقراطي إلى مجلس الشيوخ الأميركي يكشف عن خطة تقسيم غير إلزامية لبلاد الرافدين. وخطورة المشروع أنه يطرح رسميا للمرة الأولى ويحظى بموافقة أعضاء ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي. والتوافق بين الحزبين على مشروع نظري للتقسيم يطرح احتمالات قوية بشأن ظهور نوع من الإجماع الأميركي على خطة عملية تقترح تشطير العراق إلى ثلاث دويلات طوائف ومناطق تهربا من مسئولية الاحتلال في تقويض الدولة وتفكيكها.

النقاط الثلاث مترابطة النتائج لأنها جاءت محصلة للاحتلال. فهي تصب في اتجاه واحد حتى لو ظهرت على الشاشة السياسية في زوايا متباعدة. فالموازنة الحربية الهائلة هي للدمار وليست للإعمار وهي تنص على بنود لتغطية كلفة الاحتلال وعمليات عسكرية أخرى ولا تهتم كثيرا بالشئون الصحية لأهالي الرافدين. فالإدارة التي تخضع لسلطة مافيات (لوبيات) الطاقة ومؤسسات التصنيع الحربي تبحث دائما عن أسواق لتصريف الإنتاج وحقول لإنتاج النفط وتهريبه والتحكم بأسعاره. ومثل هذه الإدارة لا تفكر كثيرا بإعادة إعمار بلد قررت تدميره ولا تهتم بأوبئة تهدد حياة البشر.

موازنة الحرب التي طلبتها إدارة واشنطن تعتبر كافية إذا أرادت فعلا إعادة إعمار العراق ومحاربة الفقر والأمراض. ولكن بنود الموازنة تقتصر على تغطية نفقات الاحتلال مع إضافة بلغت 47 مليارا لا يعرف إلى أين ستذهب وعلى ماذا ستنفق؟

قنوات تصريف الموازنة العسكرية لا تشمل طبعا سياسة السطو على موارد العراق وسرقة مردوده السنوي من إنتاج النفط الذي يقدر بالمليارات. فالموازنة هي للحرب وليست للإعمار ومكافحة الأوبئة وهي مطلوبة للتغطية على احتلال وظيفته الوحيدة استكمال مهمة تشطير بلاد الرافدين بذريعة أن التقسيم هو الحل الواقعي والوحيد لوقف الاقتتال الأهلي الطائفي والمذهبي.

تشطير الرافدين

مشروع تقسيم العراق الذي يستعد مجلس الشيوخ للتصويت عليه في الأسبوع الجاري يعتبر الخطوة الأخطر منذ الاحتلال في مطلع العام 2003. فهو يكشف بأسلوب مخادع الأهداف الحقيقية التي دفعت إدارة واشنطن لاتخاذ قرار الحرب وتقويض الدولة وتشجيع شبكات الإرهاب على ارتكاب أفعال مشينة لدفع العلاقات الأهلية نحو الانهيار والتفكك.

إدارة تيار «المحافظين الجدد» تدعي البراءة وتعتبر أن ما حصل في العراق من كوارث عمرانية وإنسانية وبشرية وصحية جاء يخالف كل حساباتها وتوقعاتها. وهذا الإدعاء يعتبر سياسيا وخلقيا قمة النفاق لأن برنامج «المحافظين الجدد» لا يشتمل على فكرة إنسانية واحدة. وما حصل في العراق من تداعيات سلبية جاء في سياق خطة مبرمجة استهدفت أساسا إعادة ترتيب خرائط «جغرافية» تتناسب مع ايديولوجية عنصرية تنظر إلى «الشرق الأوسط» وتقرأ تاريخه في إطار دوني لم يتطور إلى مستوى الدولة. وهذه الرؤية التاريخية تأسست على مجموعة اجتهادات «استشراقية» تحتقر شعوب المنطقة وثقافاتها وترى فيها مجرد تكتلات طائفية ومذهبية وأقوامية لا تنتج حضارات وإنما تطلق موجات متتالية من العنف والكراهية. وبناء على هذا التحليل النظري تأسست ايديولوجية «المحافظين الجدد» على فكرة سياسية عنصرية تعتمد مشروع التفكيك وإعادة تقسيم دول المنطقة وفق شرائح اجتماعية (طائفية ومذهبية ومناطقية) لا ترتقي إلى مستوى الدولة. فالدولة «القومية» و «الوطنية» برأي «المحافظين الجدد» تقوم على فكرة المصلحة العليا والمصير المشترك وهذا الشعور الجمعي غير موجود في منطقة متناثرة على مصادر طائفية ومراجع مذهبية.

خطة تقسيم العراق التي سيبدأ مجلس الشيوخ بمناقشتها والتصويت عليها قبل أن تتحول إلى مشروع رسمي وإلزامي لم تتأسس بناء على قراءة واقعية للتداعيات التي حصلت بعد الاحتلال وإنما كانت موجودة أصلا في المشروع الذي تحتويه تضاعيف ايديولوجية حملها معه تيار «المحافظين الجدد» إلى إدارة البيت الأبيض منذ العام 2001. فالخطة ليست جديدة ولا هي نتاج قراءة لواقع اجتماعي انكشف طائفيا ومذهبيا وأقواميا بعد الاحتلال وتقويض الدولة، وإنما هي في أساسها تعكس عقلية ايديولوجية تقرأ «الشرق الأوسط» بوصفه تاريخ طوائف ومذاهب وأقوام وأقليات وليس تاريخ دول وهيئات سياسية. وهذا المشروع المطروح للتصويت بموافقة أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ليس الوحيد الذي يتعرض لمستقبل المنطقة وتركيب دولها. فهناك الكثير من البرامج والمخططات غير الرسمية التي صدرت في العقدين الأخيرين عن مؤسسات ومراكز أبحاث تقترح المزيد من التقسيم لدول المنطقة بذريعة أنها لا تمثل تلك الهيئة التي تعكس فعليا تركيب الشعوب وتوازنات الطوائف والمذاهب.

بعض مؤسسات الأبحاث القريبة من مراكز القرار اقترح منذ سنوات إعادة ترسيم خرائط دول المنطقة بما يتناسب مع توزع طوائفها ومذاهبها وأقوامها وأقلياتها بذريعة أن الدول الحالية تعاني من مشكلات سياسية واضطرابات داخلية ناتجة عن خطأ ارتكبه الانتداب الفرنسي - البريطاني في نهاية الحرب العالمية الأولى. وذهبت هذه المؤسسات إلى رسم خرائط جديدة تراها مناسبة وتتأقلم مع طبيعة المنطقة الطائفية والمذهبية. وترى المؤسسات (راند مثلا) أن إعادة ترسيم دول المنطقة يساعد الشعوب على النهوض العمراني لأن ثقافة الدويلات المقترحة ستكون مناسبة أو متجانسة مع المشاعر الأهلية للسكان وليست مفروضة عليهم بالقوة أو من طريق استبداد السلطة السياسي.

الحرب والوباء والتقسيم ثلاثة أعراض تأسست على مشروع احتلال خططت له إدارة اعتمدت على ايديولوجية «المحافظين الجدد». ومخاطر تشطير العراق لن تقتصر على بلاد الرافدين. فالمخاطر كما تنص خطط تيار «المحافظين الجدد» وبعض مؤسسات الأبحاث تشبه ذاك الوباء (مرض الكوليرا) الذي أخذ يتفشى وينتشر وينتقل من الشمال إلى البصرة وبغداد ولا يستبعد أن يمتد إلى دول الجوار. ومثل هذه المخاطر لم تحصل من دون دراسة وقراءة وإعادة تشكيل لرؤية استراتيجية يرى أصحابها أنها تناسب العراق ومحيطه وتتجانس مع التكوين السوسيولوجي (الطائفي والمذهبي) وثقافة تعتمد على سيكولوجية لم ترتقِ بعد إلى مرتبة وعي وظائف الدولة الجامعة والشاملة.

مسألة العراق، كما يبدو من المشاهد المقبلة، لم تنتهِ فصولها. فهناك الكثير من الملاحق المتصلة بموازنة حرب هائلة لا علاقة لها بالإعمار ومكافحة الأوبئة وإنما تتجه نحو مواصلة مشروع تقسيمي بدأ مجلس الشيوخ بمناقشته تمهيدا للتصويت عليه في الأسبوع الجاري

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً