القطاع التعليمي بات وضعه مختلفا عن القطاعات الأخرى فمستقبل المعلم المهني أصبح معلقا بكادره التعليمي الذي أورث إليه الهم والكدر، كما يعبر عنه المعلمون، ولم يوفر له أسباب الرفاهية كغيره من المعلمين الآخرين في دول مجلس التعاون الخليجي وبات وضع المعلم البحريني في وضع مختلف كثيرا عن وضعية المعلمين الآخرين، ومع ذلك يربط كل حركة تطور في الميدان التربوي به ويعتمد نجاحات المشروعات والبرامج التربوية في مجملها عليه.
الوضع الحالي لابد من النظر إليه بتأن وبتوجس شديدين وأطلب من المسئولين في الوزارة تحديدا التأمل جيدا في المعطيات التي تعكسها الظروف الحالية فمعلم اليوم يختلف كثيرا في التركيبة الذهنية عن معلم الأمس وغدا من الطبيعي أن يكون مختلفا عن معلم اليوم والأمس.
المعلم اليوم أصبح نتاج مجموعة من التحديات ومجموعة من الظروف المختلفة، فالمعلم بالأمس كان يشكو همه وحزنه إلى الله وحده والشجاع والجريء الذي كان يتجاوز ذلك ويشكو أيضا همه وحزنه إلى جدران صفه أو غرفته وكان محسودا من بين أقرانه أن وصل إلى حد من الجرأة والشجاعة وتجاوز صمته، اليوم قرر المعلم أن يخرج إلى الشارع ويعلن احتجاجه واعتراضه على السياسات التي تفرض عليه وعلى حجم التجاهل والإقصاء المفروض عليه عندما استثني من الزيادة الـ 15 في المئة وأعلن احتجاجه وخرج من صمته مرة أخرى عندما أقرت له زيادة ترضية بواقع 10 في المئة فقط، إلى أن حصل على زيادة بواقع 15 في المئة ويصر على المطالبة حتى يحصل على الـ 30 في المئة ليتقارب مع غيره من المعلمين في الدول المجاورة.
والله وحده فقط العالم ماذا يخبئ المعلم في جعبته، وجهاز التحكم جله في يد وزارة التربية والتعليم وحدها التي تستطيع أن تخفف من وتيرة التطورات أو تزيدها سرعة.
فعندما نتأمل في الأسباب التي دعت المعلم اليوم أن يصل بتركيبته وقراره الخروج إلى الشارع ... زيادة أعداد المتظاهرين، والتفاف المعلمين بشكل مفاجئ مع جمعيتهم بعد أن هجروها ردحا من الزمن، هي الوزارة نفسها التي لم تستمع في يوم من الأيام إلى شكوى المعلم وهمومه وأوجاعه، ولم تحاور الجهة الشرعية التي تمثله ولم تشركه معها في اللجان والقرارات، وتعتمد فقط على ما يصلها من ملاحظات هنا وهناك من الميدان، لا تعكس بالضرورة الواقع، فالوزارة لديها سيل من التعليمات والتوجيهات الفوقية، وعلى المعلم أن ينفذ كل ما يطلب منه، تؤخذ دون مشورته ودون حساب له، وما أكثر ما تريده الوزارة من المعلم من طلبات، المعلم في فترة من الفترات لا يريد من وزارته سوى أن تستمع إليه، ولا شيء سوى الاستماع فهو جوهر عمليات الاتصال والتواصل، الآن الوضع اختلف لا يريد فقط المعلم من وزارته أن تستمع إليه، بل يريد منها أن تشاوره وأن تأخذ برأيه، وهذه ضريبة الديمقراطية فالعالم في تغير مستمر، مع ذلك لا تزال الوزارة تصر إصرارا أكبر مما مضى على استخدام الأساليب والآليات البالية التي لم تعد تناسب العصر الذي نعيش فيه، في حين أن هناك إصرارا أكبر من المعلمين على ضرورة التخلي عن أساليب الإقصاء التي تمارس معهم من قبل السلطات التربوية.
على وزارة التربية أن تستخدم أدوات الديمقراطية إن أرادت أن تسيطر على الوضع، ربما أهمها أساليب الحوار، فالحوار يجب ألا يغيب وألا يعدم، لا أقصد هنا بالحوار أن يكون دائما وأبدا من قبل وزير التربية فالوزير نفسه لا يبخل بذلك ومعروف عنه آذانه الصاغية لكل مكونات الوزارة، فقلبه حنون، وإحساسه كبير وقادر على تحمل أوجاع المعلمين فليس هو المعنى بذلك، ولكن بقية المسئولين لا يحملون بالضرورة الإحساس نفسه ما يسبب إرباكا على الساحة التربوية وإذا أراد الوزير أن ترسو سفينة وزارته على شاطئ الأمان عليه أن يأخذ بالأسباب ولابد له من التفكير مجددا بأساليب الحوار فليبدأ مع جمعية المعلمين الجهة الشرعية لقطاع المعلمين ولير بأم عينه ماذا يتحقق من إنجازات، فقطاع التعليم جدا حساس ويحتاج إلى شراكة مجتمعية فضلا عن شراكة تربوية من قبل المربين.
فحالة الغليان لابد من تخفيفها بأساليب الحكمة حتى لا يكون لها آثار سلبية على مخرجات التعليم، فالمعلم لا يستطيع أن يفصل نفسيته عن عمله وبالتالي يتأثر بطبيعة الحال أداءه، والأداء يؤثر على المخرجات، ومن هنا وجب التوقف لإعادة الاحتواء، وأظن بأن الزيادة الحالية التي أقرت لصالح القطاع التعليمي مقدمة إيجابية للتحاور معهم ولكن أعتقد أن مفعولها ليس طويلا وعلى الوزارة أن تسرع في تفعيل المرحلة الثانية من كادرهم، وبيان خارطة الطريق لمستقبلهم المهني وفق رؤية وزارة التربية والتعليم، فالحوار حتما يفضي إلى أشياء كثيرة مفيدة فلتجرب وهذه دعوة صادقة
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ