إنّ الاستخدام السياسي لتاريخ الملك فاروق، آخر ملوك مصر، جاء لخدمة فكرة عقائدية ما أو لمصلحة حزبية لاحقة وهو ما يعني أنّ هذا الأمر لا يخص مصر وتاريخها فقط، وإنما هي تكاد تكون عادة عربية في بلداننا كافة، فالتاريخ في هذه البلدان عادة لا يبدأ إلاّ في اللحظة نفسها التي يتسلّم فيها قائد ما أو زعيم ما مقاليد الحكم، وكأنّ التاريخ لا يبدأ إلاّ من تلك اللحظة فيتعمد إلى تشويه أو طمس أو حتى استبعاد التاريخ أو التجربة السياسية السابقة.
وهذا يؤكّد أنّ هذه السياسات أو السياسة العربية لا تستطيع أنْ تصل إلى تراكم معرفي، لذلك فهي تبدو دائما وكأنها مقطوعة عن جذورها.
تاريخ الملك فاروق استخدم سياسيا بصورة كبيرة وكان هذا هو السبب في تشويه صورته الشخصية أكثر من صورته كسياسي، وهي نتيجة طبيعية لهذا النظام السياسي الذي لم يكن يتحمّل كل تبعات المشكلات السياسية فكان من السهل استهدافه شخصيا، وهو أي الملك فاروق الذي نفي خارج وطنه ثم رحلت عنه زوجته الثانية الملكة ناريمان التي لم تحتمل الغربة وانقلاب الحال، فتم الانفصال وعادت الملكة إلى مصر وحدَها تاركة ابنها الملك الذي ما لبث أنْ خلع بدوره بعدما أُعلنت مصر جمهورية في 18 يوليو/ تموز من العام 1952 في عهدة والد لم يعد ملكا سوى على أولاده.
لقد حدثت القطيعة لماضي الملك فاروق على اعتبار أنه كان يمثل شرعية مضادة لثورة يوليو التي قادها الضباط الأحرار آنذاك، لهذا لم تكن هناك أية رغبة في متابعة أخباره هنا وهناك. وربما علم المصريون مع مرور الوقت أنه لم يكن بهذه الدرجة من السوء التي أظهرها مؤرخو ثورة يوليو, ومن ثم كان منطقيا ألا يكتب عن حقبة الملك ولا أسرة الملك ولا حتى مرحلة الملك كلّها في تلك السنوات بأمانة تاريخية شاملة إيجابياتها وسلبياتها, إلا بعد أن جاء مسلسل الملك فاروق في رمضان هذا العام؛ أي بعد فترة طويلة من العقود.
وبالنظر إلى حال مصر وما وصلت إليه من وضع أي من بعد الثورة ونفي الملك فاروق لا يثبت أنها أفضل حالا في نواحي الحياة المصرية التي بدأت في الهبوط مع العام 1952 وحتى اليوم - على حد كلام المصريين أنفسهم - وحتى في أفلامهم الأخيرة خصوصا التي لم تلبث إلا أن وتعلق في أحد مشاهد فيلم «عمارة يعقوبيان» على لسان الفنان المصري عادل إمام بأنه حتى شوارع وعمارات القاهرة النظيفة والراقية التي كانت مشهورة بها في زمانها الذهبي تحوّلت الآنَ إلى مزبلة وقذارة لا تطاق كما هو الحال مع النفوس التي تغيّرت لا للأفضل بل للأسوأ.
للأسف منطقتنا العربية ستظل تعاني في ظل استمرار النظام السياسي الذي يهمّش الدستور ومبادئ العمل الديمقراطي الحقيقية، فلقد أثبتت عجلة التاريخ في هذه المنطقة أنه سواء تحوّل النظام من الملكي إلى جمهوري فلن يغيّر شيئا، عدا الأمور قد تسوء أكثر، وخصوصا إذا كانت هناك محاولات بتحويل النظام الجمهوري إلى نظام وراثي وهو أمر ليس واردا حتى في أعرق جمهوريات الغرب الذي هو متفوق في نظامه السياسي سواء أكان ملكيا دستوريا أم جمهوريا معطيا شعوبه كامل حقوقه
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ