لماذا تكتب عن عبدالعزيز أبل؟!
ومن الذي يحرضك أو ربما «يدفع» لك لقاء ذلك؟!
ما المقابل؟
هل يمنحك «أبل» كوبونات أو عمولات؟!
ربما هي ذات الطاقة الخلاقة والإيجابية تلك التي دفعت الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية إلى الظهور علنا أمام الجميع في يوم تدشين المقر الانتخابي للنائب الوطني عبدالعزيز أبل ليذكر بتقدير وامتنان الأفضال الرئيسية لهذا الوطني الشريف على الحراك السياسي الوطني الإصلاحي، وما لعبه من دور محوري ولا غنى عنه أبدا ويستحيل تجاوزه أو اختزاله.
كما أنها نفسها طاقة الإيجاب السياسي تلك التي تحركني اليوم في هذا المقال الموجز الذي آمل من خلاله أن أكشف بعضا من التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا الرجل الهمام وشعلة النشاط الوطنية من دون أن يقدم لذلك كشوفات أرصدة وحسابات بين دائن ومدين كما البعض، ومن دون أن تكون قطوفه السياسية محلاة بالسكر الإنشائي والسكرة الدينية - السياسية المضرة بالصحة الوطنية.
عبدالعزيز أبل الذي أعرفه ويعرفه الكثير غيري ربما قبل أن أفتح عيني على هذه الحياة منذ عقود، يتميز عن غيره بالكثير من الميزات التي ربما من بينها كثرة العمل وجديته، ولكن في الوقت ذاته مثابرته الهادئة ورزانته واتزانه المفرط وإيمانه بالعمل المؤسسي واحترامه جميع الآراء والرؤى المطروحة غير المتوافقة مع رعونة وطيش وغوغائية الشارع السياسي المنفرطة من بعض المحسوبين على أنهم رموز للمعارضة السياسية، الأمر الذي أدى وأودى ببعض أولاد الأمس أو أمس الأول إلى تخوينه واتهامه بالعمالة للسلطة والحكومة والوطن والمصلحة العليا!
ولا أدري ما الذي يبتغيه بعض المزايدين من أبل أن يقدمه لهم من اثباتات عسى أن يسقط بها تخوينه سياسيا؟!
هل يشعل حريقا في مقر البرلمان، أم يفجر لهم «سلندر» عند بوابته؟!
ومن خلال حديث لي مع الأخ والصديق الصدوق صادق بن الشيخ عبدالأميرالجمري عن أيام التسعينات ومعاناة الشيخ الجمري (رحمه الله) مع ظروف الاعتقال والحصار حينها، روى لي خلالها ما عايشه وعاصره كشاهد حي ومرافق دائم للراحل الكبير حينها عن نماذج من تلك الوقفات البطولية الشامخة والكثيرة التي طالما وقفها عبدالعزيز أبل مع الراحل الكبير إبان تلك الفترات العصيبة والأيام السوداء التي توهج وبرق فيها معدن أبل بعدما صدأت، بل وتأكسدت معادن آخرين بأدنى بلل ورطوبة!
فلم يحترفوا حينها سوى مضايقة هذا الشيخ المسكين والمزايدة عليه بل وتخوينه، وإذا هم الآن من رموز المرحلة، ومن أقمار المعارضة السياسية وإن كانت أقمار من تبن سياسي ومصلحي!
فمنذ عقد ونيف لم يكن نشاط عزيز أبل حينها نشاطا بروتوكوليا في صفوف المعارضة السياسية المطالبة بالإصلاحات، وهو لم يكتف بتوقيع العريضة النخبوية والشعبية والدوران كالنحلة، أو أن يستقر على زهرة أو يعود إلى خلية المثابرة ومملكة العمل والنشاط، ليسرح في فلك تفاعلاتها الساخنة حينها، بل والأهم من كل تلك الأدوار القيادية الرمزية، هو ما أحسن أداءه وما كان أقرب إلى التفاعل الحياتي واليومي عن كثب مع ما مر به الشيخ الجمري حينها من محن شداد، إذ طالما تجرأ عبدالعزيز أبل وكان من بين قلة نادرة جدا على تحدي ذلك الحصار المطبق على الشيخ الجمري إبان سطوة أمن الدولة حينما كان يجري المكالمات الهاتفية المتواصلة مع الشيخ، ليطمئن على حاله، وليشد من أزره، ويقوي من عزمه، وهو غير آبه أبدا بالمخاطر الواردة بقوة، والتي يعرض نفسه لها من خلال تحدي بطش السلطة الأمنية وقمعها وحصارها!
وقال لي ابن الراحل الكبير: «طالما سمعت عزيز أبل يقول لوالدي: تحمل يا شيخنا الجليل، فوالله إني لأراك عما قريب ممسكا بيد أمير البلاد المفدى وأنتما تفتتحان سوية البرلمان البحريني»، ومثل هذا القول إنما يدل على أن عزيز أبل وإن كان صاحب مواقف صارمة ومبدئيات حازمة إلا أن تلك الصرامة لم تكن لتأتي أبدا على حساب مرونته السياسية وإيمانه بشرعية هذا النظام التاريخية التي لا خلاف عليها، أو تجعل منه تلك الصرامة قنبلة موقوتة، أو أن يكون بالأحرى انقلابيا ثوريا متطرفا سرعان ما يصبح بعدها انبطاحيا كحال أصحاب الساعات والمجوهرات و «القذلات»!
ولعل أبرز ما يتذكره ابن ومرافق الراحل الكبير هو تلك الجهود الجبارة التي بذلها عزيز أبل مع إحدى الصحف المحلية، وذلك أثناء بداية الألفية الثانية، لإجراء مقابلة صحافية تتكون من ثمانية أسئلة مع الشيخ الجمري حينها بشرط أن تتم هذه المقابلة من دون تدخل من مقص الرقيب ومن دون أن تجرى عليها أية تنقيحات وتعديلات، كما أنه تدخل لمنع نشرها بعد أن تبين له سعي الصحيفة لمخالفة تلك الشروط الموضوعية.
كما يذكر للنائب أبل مداخلته الساخنة التي حطمت جميع التابوهات السياسية الجارية في عهد أمن الدولة، والتي شارك فيها على الهواء مباشرة، وتحدث خلالها عن الأوضاع السيئة للمواطن البحريني من دون أن يتجرأ أحد على مقاطعته، بالإضافة إلى انسحاب أبل من لجنة ميثاق العمل الوطني ضاربا بعرض الحائط سقوف المزايدات السياسية، كما كان له أبرز الدور وأعظم الأثر في الفترة المتراوحة بين يناير/ كانون الثاني 2001 وفبراير/ شباط 2002 في التطوع بنقل شكاوى المواطنين ومطالبهم الحقوقية لا المادية إلى حسن فخرو حينها ليجري النظر فيها من قبل الديوان الأميري (حينها).
وروى لي ابن الراحل الكبير عن الثقة العظيمة والفريدة التي كان يكنها الشيخ الجمري لعزيز أبل أثناء التسعينات بمختلف حوادثها ومواقفها، وكيف كان يأتمنه ويعتبره ضمن نخبة مستشاريه السياسيين والحقوقيين الثقات، فكثيرا ما كانت تتم مختلف المداولات والنقاشات بينهما، ولم يكن الشيخ الجمري حينها بحكمته الوطنية العالية، وانشراحه الإنساني الراقي بقائل لعزيز أبل «أنت علماني، أنت كافر».
ولعل ما وددت أن أضيفه إلى شهادة صادق الجمري ابن الراحل الكبير ومرافقه هو كون هذا الحديث والمصارحة ذكرتني بكلمات المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شافاه الله) التي أفضاها لي في آخر لقاء لي معه، وذلك بشأن رأيه في الإشاعات التي تنال من عزيز أبل منذ دخوله البرلمان وتسعى إلى تخوينه سياسيا، فقال فيها بالحرف الواحد «عزيز أبل هو عزيز أبل كعهدي به، كان ولايزال ضمن أفضل كوادر ونخب المعارضة الوطنية، وأكثرها مرونة وحيوية ونضوجا، فثقتي الكبيرة به لا يمكن أن تتزعزع أبدا، فأنا أعرف وأقدر جيدا المعدن النفيس لهذا الرجل، وأمثاله قلائل»
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1847 - الأربعاء 26 سبتمبر 2007م الموافق 14 رمضان 1428هـ