دائما مصر تغري بالكتابة، فهي أم الدنيا، وهي المحروسة، وهي التي تقود القافلة العربية، فإن تسلمي نُسلم وإن تتنصري... يخط رجالٌ بين أعينهم صلبا!
ثم إن الناس فيها حُرّة، تسمع كل الآراء والأقوال ووجهات النظر، دون أن يقمعك أحد، أو يهدّدك بالباطن أحد، حتى لو انتقدت الرئيس حفظه الله.
ثم إن مصر زيّ القارة! بسم الله ما شاء الله، مش زيّ بعض البلدان والجزر والأرخبيلات، اللي صارت زي الصحرا واسمها جزيرة، وما فيهاش ساحل وتموت تشوف البحر من دون فايدة!
ثم إن الرئيس واسع الصدر جدا، حليم جدا، بدليل أنه لم يلمس شعرة من جلد الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء! ففي آخر قصائده قال:
نؤيد سيادتك لفترة جديدة
نكمل خلالها المسيرة السعيدة
وبالمرة فيها نبيع الحديدة
مفيش حاجة تانية نبيعها خلاص
الرئيس مبارك ردّ على الشاعر المتمرّد بخطابٍ ألقاه أمس في جلسةٍ مشتركةٍ لمجلسي الشعب والشورى، قال فيه: «إن اقتصادنا حقّق معدلات نمو لم يحقّقها منذ أكثر من عقدين، وإن الإصلاحات الاقتصادية تصدّت لاختلالات وتشوّهات عديدة صحّحت هياكل اقتصادنا بما يتفق وروح العصر».
الرئيس تحدّث بلغة الواثق الخبير: «لقد وضعنا اقتصادنا على الطريق الصحيح فخرج من سنوات الركود (السابقة طبعا). ونحن ماضون فى خطوات الإصلاح... ولا يزال أمام نواب الشعب شوطٌ آخر من العمل المخلص والجاد لاستكمال البنية الدستورية والتشريعية الداعمة لمسيرة الإصلاح». وهو ما يقطع الطريق أمام المشكّكين والمتردّدين والنمّامين.
ولمزيد من الإقناع الموجّه للجمهور، قال: «إننا مضينا فى خطوات موازية للاصلاح الاجتماعى انحازت للفقراء (بص كده)... وتطوير شرائح الأجور ونظم المعاشات»، وفي ذلك ردٌ على ما تردّده بعض الأبواق الحاقدة، والإذاعات الأجنبية المشبوهة التي حذّرت في الأيام الأخيرة من حدوث تحرّكات احتجاجية بسبب زيادة تردّي الأوضاع المعيشية للناس الغلابة الذين يمثّلون غالبية الشعب المصري.
الخطاب فيه ردٌ مفحمٌ على كل المتقوّلين والحاقدين على مصر، بما فيهم الشاعر نجم، الذي غمز من طرفٍ خفي إلى مسألة توريث الحكم إلى ابنه جمال، والتي تلاقي معارضة شديدة لدى الأحزاب والقوى السياسية. فهو يقول فيما يشبه التعريض:
نبايع سيادته وابنه وحفيده
مفيش زي فكره قديمه وجديده...
ويشير إلى فكرة القائد الضرورة بقوله:
نبوس ايد سيادتك ورجلك كمان
تخليك معانا يا ريّس عشان
وجودك ضرورة فرضها الزمان
ومن غير وجودك حقيقي نضيع
إلا أن الرئيس يردّ بهدوء وحكمة، بالتذكير بما اتخذ من اجراءات ملموسة لرفاهية الشعب المصري، من اهتمام بالتنمية الاجتماعية، والوقوف إلى جانب الفئات محدودة الدخل بزيادات متتالية في دعم السلع التموينية، وتوفير المزيد من فرص العمل ومساندة المزارعين ودعم الصادرات وبرنامج تنمية الصعيد، والبرنامج القومى للاسكان والتأمين الصحي»، وكلّ هذه المشاريع لم تملأ عين نجم، هذا الشاعر الحاقد الذي لا يحب وطنه
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2271 - الأحد 23 نوفمبر 2008م الموافق 24 ذي القعدة 1429هـ