إن ما قام به جهاز المساحة والتسجيل العقاري عندما منع أمس لجنة التحقيق في أملاك الدَّولة من الدخول إلى القسم الخاص بوثائق أملاك الدولة لا يعتبر إهانة فقط لنواب الشعب، وإنما مخالفة صريحة لدستور مملكة البحرين الذي ينص في المادة (69) على أنه «يحق لمجلس النواب في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الدَّاخلة في اختصاصات المجلس المبينة في الدستور، على أن تقدم اللجنة أو العضو نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز 4 أشهر من تاريخ بدء التحقيق. ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدَّولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم».

إن مخالفة جهاز المساحة، الذي يمثله وزير العدل أمام البرلمان، للدستور صريحة ولا تحتاج إلى نقاش، وهي تأتي - بحسب ما قاله النواب - بعد وعود مباشرة من وزير شئون مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل بشأن السماح للنواب بممارسة حقهم الدستوري. المهم في الأمر، أن الجهاز الذي يخالف الدستور ولا يحترمه إنما يقدم أنموذجا غير حسن.

تأتي هذه المخالفة الصريحة للدستور في الوقت الذي يزداد الجدل بشأن دستورية قرار الوزراء عدم حضور جلسات النواب للرد على الأسئلة. ففي جلسة الثلثاء الماضي انفض مجلس النواب بعد فترة وجيزة وذلك لأن الجلسة تبدأ بتوجيه الأسئلة، ومجلس الوزراء يقول إن المادة (91) لا تلزم الوزراء حضور جلسات النُّواب، لأنها تنص على أن «لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى أو مجلس النواب أن يوجه إلى الوزراء أسئلة مكتوبة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم، وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة...»، وهذا يعني أن الأسئلة يمكن أن تتم عبر المخاطبة الكتابية فقط.

وعلى رغم أنني أميل الى الرأي الرافض لتفسير الحكومة، ولكن يمكن أن أتفهم كيف تستغل الجهات الرسمية التَّعبيرات داخل النص. غير أن المادة (69) الخاصة بالسماح للجان التحقيق ممارسة عملها لا لبس فيها ولاغموض، ومخالفتها بهذه الطريقة تعني أن مرتكب المخالفة لا يأبه بالنصوص الدُّستورية الصريحة والواضحة، وربما يعتبر نفسه فوقها.

إن الحكومة إذا خالفت دستور 2002 الذي يعطيها اليد الطولى في كل شيء بهذا الشكل فإنها بذلك تقدم ذريعة لتأكيد ما يقال بشأن عدم جدية عدد من الجهات النافذة الانخراط في بيئة إصلاحية