العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ

على طريق مكافحة الفساد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أكثر من شهر، وجّه ديوان ولي العهد دعوة لعددٍ من المسئولين والعسكريين والنواب والبلديين ورجال الصحافة والمصارف والأعمال. وأعلن سمو ولي العهد، عن عزمه اللقاء أسبوعيا بجميع فعاليات المجتمع، لتحقيق التواصل المباشر مع مختلف الأطراف.

كان لافتا أيضا ما أشار إليه من أن هذه الطريقة أفضل من المجلس التقليدي الذي يؤمه الناس، ولكن يتحفّظ فيه الكثيرون عن المصارحة، وتلقى فيه أحيانا قصائد المدح، ما أعطى انطباعا بعدم ارتياح سموه من مثل هذه الممارسة المتخلفة.

ما حدث هو أن التغطية التي نشرتها الصحف في اليوم التالي، واعتمدتْ فيها حرفيا على ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (بنا)، تضمنت كلاما عاما لم يسمع أكثره الحضور تلك الليلة، بينما لم ينشر ما قاله عن المجالس التقليدية، وبالذات عن «قصائد المدح»، فهناك من لا يعجبه مثل هذا الكلام الصريح فيعمل على منعه. وبالمقابل، وقع بعض الزملاء فيما حذّر منه، حين هبّوا لتدبيج مقالات المديح!

اليوم، أعلن ولي العهد حملة لمكافحة الفساد، مبتدئا بكبرى الشركات الحكومية التي كانت مدللة حتى وقت قريب. وهي حملةٌ ستقف معه كل أطياف المجتمع البحريني، وستدعو له بالتوفيق، لأن المتضرّر من استمرار طاحونة الفساد، هم الغالبية العظمى من كل الطوائف والشرائح والأعراق، خصوصا بعد أن تشبّع الأفق بروائح الفساد المالي والإداري، الذي يُسمع عنه ولا يُرى، كالأشباح والأرواح الهائمة في الفضاء.

الكل يعرف اليوم حجم الدمار الذي ألحقه الفساد بالبحرين، وأول مظاهره هذا الاختلال الفاضح في توزيع الثروة، ما وسّع قاعدة الفقر وضاعف أعداد الفقراء، ويهدّد اليوم بالإطاحة بكل مكتسبات الطبقة الوسطى وتعطيل دورها الطليعي في التنمية والثقافة والفن، لصالح قلةٍ قليلةٍ من المستفيدين من استمرار الأوضاع على ما هي عليه من فساد ومحسوبية واستئثار.

ولئن أردنا المحاسبة والإنصاف، فإن الصحافة في البحرين، لم تلعب خلال العقود السابقة الدور الوطني المفترض، بل كثيرا ما شاركت في التستر على الفساد، حتى أصبحت جزءا من منظومة المرض. بل إن بعض الصحافيين ارتضى لنفسه أن يلعب دور المحامي الشرس عن الفاسدين والمرتشين والمتجاوزين للقانون، فتراه يهبّ لمهاجمة كل من يتجرأ على نقد الممارسات الفاسدة في هذه الوزارة أو تلك. وبعض هؤلاء يتسلم أموالا أو مكافآت من تحت الطاولة، وبعضهم لا تزيد رشوته عن تذكرة سفر أو ساعة يد.

هؤلاء اللزجون، اعتادوا على المديح، والمديح ليس مجانا طبعا، كما أنه يستعصي على عقولهم أن يدعوهم أحد المسئولين ليسمع منهم الرأي الصريح، فيظنون أنه يستجدي منهم المديح، فيتطوّعون لكتابة المقالات التي تنضح بالتملّق وآيات النفاق!

اليوم... سنكون أمام زلزال! فباعة المقالات البلاستيكية، الذين كانوا يبيعون بضاعتهم بالكيلوغرام خلال عقود، دفاعا عن المتورطين بالفساد والمحسوبية وتجاوز القانون، سيشهدون انقلابا مفاجئا، وسيتحوّلون إلى دعاةٍ أشداء لمحاربة «الفساد» و»الفاسدين». وسيتحوّل كلٌ منهم إلى «تحرٍ» عبقري، ليكشف «مغامراته» في محاربة الفساد الذي كان جزءا منه.

حملة مكافحة الفساد مطلبٌ وطني، وستقف مع ولي العهد كل الأطراف والتيارات والشخصيات الخائفة على مستقبل الوطن، كما أنه مطلبٌ عالمي يدل على مدى تحضّر الدول ورغبتها في الإصلاح. والخوف كل الخوف عليها من «السوس» وباعة المواقف وأبطال المقالات البلاستيكية.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً