العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ

نواب لبنان والقاتل المجهول

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وسط إجراءات أمنية لا سابق لها في تاريخ مجلس النواب اللبناني ستعقد اليوم الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويرجح ألا تنعقد بسبب عدم توافر «نصاب الثلثين».

الإجراءات الأمنية هذه جاءت بناء على معلومات أن «جهة ما» ستقدم على تنفيذ عمليات اغتيال ضد النواب. هذه الجهة غير معروفة حتى الآن. فالقضاء تسلم الملفات ولكنه لم يتوصل إلى تعريف الطرف وتحديده. وكل الاتهامات التي أرسلت ضد هذه الناحية أو تلك تعتبر قضائيا مجرد تكهنات أو تحليلات سياسية؟

قوى «14 آذار» تتهم النظام السوري بالوقوف وراء سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي طاولت عشرات الوجوه والرموز والقيادات بقصد تقويض الأمن وزرع الفوضى ومنع الدولة من استعادة حيويتها وسيادتها.

قوى «8 آذار» ترفض هذه الاتهامات وترى فيها مجرد إشاعات تعكس هواجس سياسية تحتاج إلى أدلة دامغة تثبت صحة الكلام المرسل من الجهات المناوئة للنظام السوري.

النظام السوري بدوره ينفي هذه الاتهامات التي تروجها قوى «14 آذار»، ويرى فيها مجرد إشاعات باطلة تحتاج إلى براهين وأدلة تثبت صحتها. وبما أن القوى التي تطلق الاتهامات لا تملك الأدلة والإثباتات فإن النظام يطالب الدولة بالبحث عن جهة مجهولة تقف وراء تلك الاغتيالات والتفجيرات.

من هي هذه «الجهة المجهولة»؟ لا أحد يعرف. والتحقيق القضائي لم يتوصل إلى دليل حسي يؤكد ضلوع هذا الطرف أو ذاك. وبسبب هذا الغموض الذي يكتنف مسلسل القتل تتواصل آلة الجريمة في تنفيذ المشروع من دون توقف.

هناك إذا جهة ما لها مصلحة في قتل النواب. وهذا الطرف لابد أن يكون له أجندته السرية ويستهدف غايات غير واضحة في مشروع القتل.

سياسة القتل يرجح أن تستمر مادام الطرف المجهول لم يعلن عن هويته وأهدافه. وبما أن لا دليل يحدد اسم القاتل وعنوانه فإن نواب لبنان، وتحديدا جماعة قوى «14 آذار»، سيخضعون إلى امتحان يومي وتجربة نار لا تتوقف عند حدود معينة.

قوى «14 آذار» تسأل دائما لماذا فقط نواب وقادة ورموز وهيئات«14 آذار» هم الطرف المستهدف؟ ولماذا لا ينوع القاتل ضحاياه ويختار الهدف الأسهل بدلا من ملاحقة ومتابعة شخصيات تنتمي إلى جهة واحدة فقط؟

هذه الأسئلة السياسية أعادت تشكيل مخاوف دفعت بالأطراف المعنية إلى ترجيح طرف محدد على أطراف أخرى. فالتحليل السياسي عند قوى «14 آذار» يستند إلى وقائع ميدانية ترجح التهمة المشار إليها من دون أن يكون عندها الدليل الحسي الذي يثبت هوية القاتل وعنوانه.

دفعت هذه المخاوف السياسية قوى «14 آذار» إلى طلب حماية عربية/ دولية لتأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس للجمهورية حتى لا يقع الفراغ الدستوري وتنزلق الدولة إلى هاوية الانقسام الأهلي.

حماية دولية

فكرة الحماية قد تتطور وتتحول إلى واقعة قانونية في حال استمر القاتل في توجيه مسدسه إلى نواب شعب تصادف انتخابهم في دورة 2005. فهؤلاء النواب بات عليهم الاختفاء واتخاذ أسماء مستعارة وتبديل العناوين والتنقل بسيارات أجرة أو قديمة ونزع كل الإشارات والأرقام التي تشير إلى هويتهم. بعض نواب «14 آذار» غادر لبنان إلى جهات مجهولة. وبعضهم أصدر جوازات سفر عادية. وبعضهم أخذ يتنكر ولا يرد على الاتصالات الهاتفية أو يدعي المرض أو يتهرب من تحديد مكان إقامته.

كل هذا يحصل منذ نحو السنتين ومع ذلك نجح القاتل المأجور أو المجهول الهوية والعنوان في قتل بعض نواب «14 آذار» وهو كما يبدو عاقد العزم على استكمال مهمته لأسباب غير معلومة لدى البعض ومعلومة لدى البعض الآخر.

للمرة الأولى في تاريخ المجالس النيابية في العالم يتحول النائب إلى مشروع انتحار. فالنائب عادة يتمتع بحصانة دبلوماسية ودستورية ويكون محط اعتزاز وافتخار وعلى تواصل مع أهله والناخب الذي اقترع له. هذه المرة اختلفت الصورة وبات النائب في لبنان (تحديدا قوى 14 آذار) ملاحقا من قبل مجهول الهوية والعنوان يريد قتله وتصفيته لأسباب غير محددة أو واضحة.

سياسة القتل من أجل التلذذ بالقتل تعكس عقلية سادية ومريضة حتى لو كانت من أجل غايات «شريفة» و«نبيلة». ومن يستهدف الآن جهة معينة لا يستبعد أن يستهدف جهات أخرى. فالعقلية السادية هي مرض عضوي حتى لو تغلفت بالسياسة. ومن يعتمد نهج تصفية الخصم من طريق الإلغاء الجسدي لا يتورع عن استخدام النهج نفسه في حالات أخرى إذا تصادف واختلف معه من يعتبرهم من «فصيله» أو «جماعته». فالقاتل قاتل. ومن يعتمد هذا الأسلوب لتصفية الخصم لا يتردد في استخدامه لإزاحة الصديق والحليف في حال اضطر إلى منافسته.

لكل هذه العوامل المرضية (السادية) بدأت اليوم وسط إجراءات أمنية مشددة الجلسة الأولى في عملية انتخاب رئيس جديد لجمهورية الأزمات.

الجلسة الأولى يرجح أن تنفك من دون نتيجة في اعتبار أن شرط «نصاب الثلثين» لن يتوافر لا الآن ولا في الجلسات المقبلة إذا لم تتوافق الكتل النيابية على اسم رئيس الجمهورية. وبما أن «اسم الرئيس» الوفاقي أو التوفيقي أو التسووي لم يظهر على الشاشة السياسية فإن جلسة الانتخاب ستتأجل وسط مخاوف من استمرار القاتل في مهنته وحرفته.

جلسة اليوم لن تكتمل بعقد «الثلثين». ولكن السؤال سيطرح مجددا بشأن نصاب الجلسة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. فهل شرط نصاب «الثلثين» يبقى كما هو أم ستتحرك القوى باتجاهات أخرى؟

قوى «14 آذار» التي تخصص القاتل في اختيار نوابها للقتل ترى أن الشرط ليس أبديا لأن الدستور يفتح الباب لقراءات مختلفة.

قوى «8 آذار» تتمسك بشرط «نصاب الثلثين». وهناك قوى أخرى تذهب بالاتجاه نفسه في إطار قراءات سياسية تخاطب الضمير والوجدان.

أصحاب نظرية «الثلثين» يتوزعون على اتجاهات غير موحدة. فهناك تيار يرى في شرط «الثلثين» وسيلة للمقاطعة وتعطيل جلسات انتخاب الرئيس. وهناك تيار يرى أن الشرط لا يعني المقاطعة وإنما يحض النواب على وجوب الحضور. فالحضور واجب وهو شرط دستوري لمنع التعطيل.

انقسام أصحاب «نظرية الثلثين» ستتضح خطوطه السياسية بعد جلسة اليوم. فأصحاب النظرية هذه يختلفون على التفسير. فالمنطق التأويلي لأصحاب هذا الفهم للمادة الدستورية المختلف عليها يعطي مؤشرات سياسية مضادة لا تتوافق على قراءة واحدة. فالبطريرك الماروني يرى أن النص يحض على الحضور لا المقاطعة. و«التكتل الطرابلسي» النيابي يرى أن شرط «نصاب الثلثين» يتطلب حضور الجلسة للانتخاب ولا يبرر الغياب بقصد التعطيل.

كل هذه الكم من القراءات تبدو غير مقبولة لدى القاتل. فهذا المجرم الذي يرفض الإفصاح عن اسمه وعنوانه لا يكترث كثيرا للخلافات الدستورية. فالدستور لا يعنيه وهو غير معني بكل الاحتمالات والتداعيات سواء انعقدت الجلسات أم لم تنعقد وسواء تم تدويل انتخابات الرئاسة أو لم تدوّل. فالقاتل قاتل وعقله السادي لا يحترم القوانين ولا يقرأ الدساتير... ويحتقر العدالة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً