حرية الدين حق إنساني أساسي، يضم حق الأفراد في ممارسة الدين والوعظ والهدي من دون خوف من الاضطهاد أو الانتقام.
عبر العصور، تحدى آلاف المبشرين الاضطهاد والتمييز والحروب والثورات والأجواء العاصفة والأمراض الإستوائية بشجاعة للتبشير بكلمة ربهم إلى الآخرين، وهم على قناعة كاملة بأن أعمالهم مبررة باسم الخير الأكبر للجميع. ولكن لم تتعرض حياة أحد في تلك الأيام للخطر، باستثناء حياة هؤلاء المبشرين.
إلا أنه بمعايير هذه الأيام المتغيرة يمكن لأعمال قِلّة أن تؤثر بشدة على الأوضاع الجغرافية السياسية المتقلقلة، ومن خلال هذه العملية أن تجبر الحكومة على الدخول في أوضاع مؤسفة أو/ محرجة. وهذا يدعو إلى التساؤل عن مدى القيمة أو الضرر للمجتمع ككل نتيجة لأعمال الهداية في مناطق معروفة بمخاطرها، كالدول الواقعة في مناطق الحروب. ألا يتوجب التساؤل بشأن هذه الممارسات عندما يخاطر هؤلاء الذين ينطلقون لتحويل الآخرين عن دينهم، بالدخول إلى أجزاء مضطربة من هذا الكوكب، ومن خلال ذلك يعرضون ليس فقط حياتهم للخطر وإنما كذلك حياة الكثيرين غيرهم؟
من الحالات التي تشكل أفضل مثال على ذلك العمل الذي قامت به 22 بروتستانتية كورية، غطت قصتهن عناوين الصحف عندما اختطفن، وقتلت اثنتان منهن بعد ذلك، من قبل «الطالبان» في أفغانستان.
لاشك أن المجموعة التي انطلقت من سيؤول كانت لها نوايا شريفة. معظم أفراد المجموعة من المعلمات والممرضات، وقد بدأن مهمتهن الإعانيّة بهدف مساعدة شعب أفغانستان الذي عانى كثيرا عبر عقد من النزاع. على رغم هذا الهدف، وبعد أن جرى اختطافهن، تم توجيه النقد لهؤلاء المبشرات في كل من كوريا الجنوبية وبقية العالم لذهابهن إلى أفغانستان بهدف القيام بأعمال الهداية.
إلا أنه تبقى هناك ضرورة لطرح السؤال: ألم تكن مهمّتهن، على رغم كونها إنسانية في الأصل، تحمل من المخاطرة أكثر مما يستحق من الجهد؟ من خلال المخاطرة بدخول دولة تسودها الحرب، أصبح فيها حتى جنود القوة الدولية أهدافا، وإذ أصبح الخطف وخصوصا خطف الأجانب، ممارسة يومية، عرضت المجموعة ليس فقط نفسها بل ومن خلال العملية برمّتها حياة هؤلاء الذين سعوا لإطلاق سراح أفرادها، إلى الخطر المماثل.
إضافة إلى ذلك، تطلبت أعمال أفراد المجموعة أن تقوم حكومتهن بإجراء تنازلات مؤلمة لمجموعات تعمل خارج القانون، تنخرط في حرب إرهاب مع معظم العالم المتحضر. من خلال التفاوض مع مجموعات معروفة باشتراكها في أعمال إرهابية، قامت هؤلاء المبشرات، على رغم عدم نيّتهن فعل ذلك، بقلب المعاهدات الدولية والتسبب بسابقات خطرة.
من المؤكد أن نتيجة المسرحية الدرامية للرهائن الكوريات الجنوبيات، على رغم أنه كانت لها نهاية سعيدة باستثناء رهينتين سيّئتي الحظ، ستشجع المزيد من عمليات أخذ الرهائن. لِمَ لا وقد أتت أكلها؟ المبلغ الذي حصل عليه «الطالبان»، وهم معروفون بأسلوبهم الرخيص، كان كبيرا، ونحن نعرف أن «الطالبان» سيقومون بتبذيره. ذلك المبلغ كان ثمنا لحرية الرهائن. لا يشكل توجيه سلاح أوتوماتيكي على مجموعة من الأجانب المرتعبين غير المسلّحين عملا مضنيا. وإذا أخذنا بالاعتبار المردود الجيد على استثمارهم فإن المنطق يقول إن «الطالبان» سيكررون فعلتهم.
لا يعرف الآن سوى عدد قليل من المسئولين الحكوميين من كوريا الجنوبية، إضافة إلى الخاطفين، ما هي التنازلات بالضبط التي اضطرت حكومة كوريا الجنوبية أن تقدمها لضمان إطلاق سراح بقية الرهائن. ما يبدو مؤكدا هو أن فدية تبلغ بضع ملايين من الدولارات تم دفعها إلى «الطالبان». إذا اختارت حكومة كوريا الجنوبية أن تبقى صامتة بشأن هذه القضية فإن «الطالبان» لم يترددوا في التباهي بإنجازهم. فكما ذكر ناطق باسمهم، سيستطيع «الطالبان» استخدام هذه الأموال لشراء المزيد من المتفجرات للقيام بهجمات جديدة.
وكما هو الحال عادة في مثل هذه الظروف، لن يمضي وقت طويل قبل أن تتسرب تفاصيل المفاوضات، والحقيقة، إضافة إلى الضرر الذي ترتب على ذلك. في أثناء ذلك ستحاول حكومة سيئول وقف المبشرين الآخرين من السفر إلى أفغانستان، وبالتالي الحد من الحريات الدينية.
مغزى القصة أنه يمكن حتى لعمل قلة من أصحاب النوايا الحسنة، إذا مورس في أراضٍ معادية في جو سياسي غير مستقر أن يؤدّي، وهذا ما يحصل فعلا أحيانا، إلى المزيد من الأوضاع المعقدة.
هذه الحلقة كانت لها، في معظمها، نهاية سعيدة. إلا أن هذه ليست بأي حال من الأحوال نهاية القصة. أموال الفدية، كما صرح «الطالبان»، ستُستخدَم «بشكل جيد». وهذا يعني أن المزيد من الأرواح البريئة ستُزهَق وتتعرض للخطر، وسيموت الكثير من الأبرياء، مرة أخرى باسم النوايا الحسنة.
*محرر «الميدل إيست تايمز»، وهو محلل سياسي
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1845 - الإثنين 24 سبتمبر 2007م الموافق 12 رمضان 1428هـ