وأخيرا... وقع رئيس بيرو السابق ألبرتو فوجيموري في الفخ، بعد سبع سنوات من الهروب من وجه العدالة، وذلك بعد 24 ساعة فقط من موافقة المحكمة العليا في تشيلي المجاورة بالإجماع على تسليمه بناء على طلب القضاء في بيرو.
الرئيس الذي هرب إلى بلده الأصلي (اليابان)، أرسل من هناك استقالته بالفاكس، بعد افتضاحه بتقديم رشاوى لبعض النواب بالصور. ولأن اليابان لا تتهاون في تسليم من يحمل جنسيتها للدول الأخرى، فقد ظل آمنا من الملاحقة القانونية طالما ظل في موطن أجداده.
ولكنه عاى رغم الفضيحة المدوية، ظلّ يحنّ حنين الإبل للعودة إلى الحكم، حتى فوجئ العالم بظهوره فجأة في تشيلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، ليعلن بدء حملة تعيده إلى كرسي الرئاسة. ولكن المحكمة الانتخابية في ليما رفضت ترشيحه وقامت السلطات التشيلية (بارك الله فيها) باعتقاله، ليمضي 22 شهرا رهن الإقامة الجبرية في أحد المنازل التي يملكها هناك.
فوجيموري البالغ 69 عاما، والذي حكم بيرو ما بين 1990 و2000، نقلته الشرطة الشيلية جوا من مزرعته بشمال سانتياجو إلى مطار العاصمة، وهناك كانت تنتظره طائرة روسية من طراز انتونوف، تابعة للشرطة الوطنية البيروفية. وكان ينتظره على متنها رئيس الشرطة (برتبة جنرال)، وأربعة ضباط وطبيب، وموظفان من الانتربول البيروفي. وقبل أن تنطلق الرحلة أجريت له فحوصات طبية للاطمئنان على صحته... فالصيد كان سمينا وثمينا، ويستحق كل هذا العناء.
الرئيس الهارب وصل مساء السبت إلى أحد المطارات العسكرية، ونُقل مباشرة بمروحيةٍ ليوضع في زنزانة في ثكنة للعمليات الخاصة للشرطة... وخُصّصت له غرفة ومكتب وقاعة استحمام، لكنه منع فقط من مشاهدة التلفاز.
أما في سيرة حياة فوجيموري، فالبداية ابن لمهاجرين يابانيين، والنهاية متهمٌ بسرقة 600 مليون دولار من خزائن حكومة بيرو، كما ورد في تقرير حديث للأمم المتحدة. هذا ماليا، وبالمقابل، يواجه تهما بانتهاكات حقوق الانسان، من بينها قيام قوات الأمن بتنفيذ مذبحة لخمسة عشرة مدنيا بإحدى ضواحي ليما، وذلك بعد عام واحد من وصوله للحكم، وفي العام التالي تم ذبح أستاذ جامعي وتسعة طلاب في جامعة لا كانتوتا!
الاتهامات الرسمية بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، قد تكلّفه السجن 30 عاما، فضلا عن اتهام حكومته بالمسئولية عن قتل المدنيين في حربها ضد حركة “الطريق المضيء” اليسارية. من هنا أشادت السلطات البيروفية ومنظمات حقوق الإنسان وأقارب ضحايا فوجيموري بحكم تسليمه وإعادته ليمثل أمام القضاء. والمفارقة ان فوجيموري بعد ساعة من الحكم، أعرب عن تطلعه إلى العودة لتتاح له الفرصة لتبرئة نفسه من التهم الموجهة إليه، على رغم انه قاوم على مدى العامين الماضيين وبشدةٍ محاولات ترحيله.
وفي الوقت الذي لا يتوقع من السارق أن يعترف بسرقته، فإن ادعاء البراءة لم تقتصر عليه، بل إن مئات من أنصاره تجمعوا لاستقباله في المطار، تلبية لدعوة ابنته “كيكو” لإعداد استقبال يليق بفخامته... لكن السلطات خيبت آمالهم حين أمرت بأن تحط طائرته في قاعدة عسكرية.
المشكلة أن فوجيموري مازال يصر حتى الساعة على أن القضية المرفوعة ضده إنما هي “تسييس” و”محاصصة طائفية” و”إثارة صحافية” من بعض المتصيّدين في الماء العكر! وكان الله في عون البيروفيين!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ