العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ

«بلاك ووتر» أو المياه السوداء 2/4

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لعله من المناسب هنا أن نصل مع القارئ إلى تحديد مشترك لمفهوم «الارتزاق أو المرتزقة». يقول الباحث في المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية في عمَان (الأردن) رائد فوزي أحمود إن البعض يطلق اسم المرتزقة «على طبقة من المحاربين المحترفين الذين يقدمون خدماتهم إلى من يطلبها نظير أجر معين، من دون اعتبارات خلقية أو قومية.

ويستعين أحمود بالمادة الأولى من تعريف الاتفاق الدولي لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادر في 1989 الذي تحدد أن المرتزق هو «أي شخص يجند خصيصا، محليا أو في الخارج للقتال في نزاع مسلح ويكون دافعه الأساسي الاشتراك في الأعمال العدائية والرغبة في تحقيق مغنم شخصي ويبدل له فعلا من قبل طرف في النزاع، أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كثيرا على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة».

ولربما كان أفضل من لخص، وعلى نحو واضح، ما تقوم به «بلاك ووتر» في العراق، ووضعه في إطاره «الارتزاقي» الصحيح هو تيري جونز، محرر في صحيفة «الغارديان» البريطانية ونشرت ترجمة له صحيفة «الاتحاد» ( الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني) على موقعها على الإنترنت.

يؤكد جونز أن «عمليات شركة بلاك ووتر المختصة بالعقود العسكرية أثبتت أن العراق هو فعلا الأرض الحقيقية للفرص، إذ أعلن مدير الشركة غاري جاكسون أن الأرباح لا تزال تتراوح على النسبة نفسها للعام 2004 بـ 600 في المئة، ويقول جاكسون إن الأمر يتعلق بمشروع مليار دولار ونحن مع ذلك لانزال في البداية. وللبدء بمثل هذا المشروع تكون بحاجة الى ان ترث مليار دولار وهو الأمر الذي حصل لمؤسس شركة بلاك ووتر ثم استثمار هذا المبلغ لانشاء شركة تختص بقتل الآخرين، وطبعا كما يقول البعض فإن مهمة الشركة أن تعزز الأمن والسلام، الحرية والديمقراطية في كل مكان ولكن النشاط الذي يصور نشاط الشركة مليء بصور رجال يقتحمون الغرف وهم يحملون البنادق الآلية أو يطلقون النار من الطائرات المروحية ويمكن تلخيص هذا النشاط في أربع نقاط: التمركز العسكري، التقدم العسكري، اتخاذ وضع القنص، وأخيرا إطلاق النار من الزوايا العليا (السطوح والطائرات المروحية).فالهدف هو تحقيق الأرباح من خلال هذا النوع من العنف السائد في العراق أيا تكن اللغة المثالية التي تصفه بها».

ويعود تصدر اسم «بلاك ووتر» في وسائل الإعلام بشكل مكثف إلى ظهورها كقوة مؤثرة وذراع متعددة المهمات في العراق بعد احتلال العراق بعدة شهور، وبلغ ذروة هذا الظهور في31 / مارس/ آذار 2004، بعدما اصطادت»المقاومة» العراقية أربعة أميركيين في مدينة الفلوجة يعملون لدى الشركة، إذ أثبتت المعطيات أن ميليشيات هذه الشركة هي من قاد جرائم معركة الفلوجة، وتم التركيز الإعلامي على أنشطة هذه الشركة بعد أن قام المواطنون العراقيون بحرق جثث العناصر الأربعة على جسر الفلوجة ردا على ما ارتكبته من جرائم وحشية.

والذي لا يعلمه كثيرون هو أن هذه الشركات المرتزقة العاملة في العراق تعمل وفق مرسوم وضعه الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر عقب احتلاله، فوفقا للعقود المبرمة معها واستنادا كذلك إلى المرسوم الذي أصدره الحاكم الأميركي السابق في العراق بول بريمر العام 2004 والمسمي «القاعدة 17»، فإن «القوات الأميركية والمتعددة الجنسيات ورعايا هذه الدول المقيمين في العراق والشركات الأمنية الخاصة «معفون من أية مساءلة قانونية أمام المحاكم العراقية ولا يشملهم القانون العراقي»!

وبالتالي فليس للحكومة العراقية الحالية أي سلطة علي هؤلاء المرتزقة وليس لهم أي سند قانوني يخولهم سحب ترخيص «بلاك ووتر»، أو أي من الشركات الأمنية الخاصة، بل ولا تستطيع الحكومة - قانونا - محاكمة أي مجرم من هذه الشركات ارتكب مجازر بحق المدنيين، لأن هذه الشركات الأمنية الخاصة في العراق تتمتع نظريا بحصانة دبلوماسية وتتوقف الملاحقات القضائية المحتملة ضدها على القرار السياسي.

وربما لهذا عهد الاحتلال الأميركي إلي هذه الشركة الأمنية - التي تعمل بسرية بالغة – العمل في العراق وتصفية وقتل العراقيين وتعميق الصراع بين السنة والشيعة، لأن مثل هذه الشركات ومرتزقتها لا تتحمل أي عواقب أو متابعات قانونية إذا ما اكتشف عملها الإجرامي، وسيسهل على الاحتلال الأميركي نفي صلته بهذه الأعمال والزعم بأنها من قبل «إرهابيين».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً