إذا ما تسنى لك - عزيزي القارئ - ذات يوم أن تطلع على مقدمات كتب الاقتصاد ربما للاطلاع على تعريف «الاقتصاد»، والتعرف على مفاهيمه الكلاسيكية والمتجددة، فإنك حتما، وبغض النظر عن جودة هذه الكتب، ستمر على مصطلح «المعادلة الاقتصادية» التي تشكل الأساس النظري والعملي معا لعلم الاقتصاد بقطبيها الأول الذي تمثله الموارد المحدودة والقطب الثاني الدال على الرغبات البشرية غير المحدودة!
وهو ما يعني أن المعادلة الاقتصادية الرئيسية تفترض ضرورة المساواة التفاعلية الصعبة قدر الإمكان، وربما المستحيلة، بأفضل شكل ممكن بين الموارد المحدودة من جهة - والرغبات البشرية (المواطنين) - يسعى لتحقيق أفضل قدر ممكن ومحتمل واقعيا من الإشباع للآدمي أو الفرد أو المواطن بحقوقه وواجباته، ومن دون تلك المعادلة الاقتصادية لا يمكن أن يقوم هنالك أي علم اقتصادي حقيقي أو أن تنجز أية ممارسة اقتصادية واقعية مجدية، ناهيك عما قد يواجهه اقتصاد أي بلد ما لاحقا من أزمات وتحديات ومشكلات اقتصادية متفاوتة!
وإن شئنا الهبوط من سقف التنظيرات الرئيسية قليلا إلى واقع المشاهدة اليومية، وحتى المشاهدة العقدية (التي تمتد عقودا) لأوضاع المواطنين البحرينيون في كنف وطنهم، فسنجدها مازالت على حالها من بؤس وضيق وكفاف توطد وترسخ بفعل فجوة قارية وفلكية هائلة بين واقع حجم الثروات والموارد والأصول والإيرادات الوطنية من جهة وواقع رواتب المواطنين البحرينيين المتدنية بصورة كبيرة مقارنة بنظرائهم في الدول الخليجية!
فأصبح مسمى «هنود الخليج» مناسبا وواقعيا لأن يطلق على المواطنين البحرينيين من دون تردد سواء كان ذلك في كونهم مواطنين مغتربين في أوطانهم يحصلون على مقادير «الزكاة» الشرعية المسماة زورا بالراتب! أو أن يكون المواطنون البحرينيون الذين وقعوا زهاء عقود في تلك الفجوة الاقتصادية القياسية أشبه ما يكونون باللاجئين اللاهثين خلف الدرهم والريال والدينار والدولار وكل ذي قيمة، عسى أن يستردوا شيئا من قيمتهم الاعتبارية الإنسانية، ويتمكنوا من الحصول على قسط من العيش الكريم بمعزل عن أقساط مواردهم وثرواتهم الوطنية بحنفيتها السياسية العجيبة التي لا يتسرب منها إلا أقل القليل!
ولربما لو واصلت الهند تقدمها في سباق النهوض الاقتصادي والتحرر من العبء البيروقراطي ومواصلة تفوقها التكنولوجي والتقني، ورمت عملية التطور الواثقة تلك بآثارها الحميدة على الأوضاع المعيشية للمواطنين الهنود بتقادم الزمن، فإننا سنجد أنفسنا باحثين عن أي مسمى تصنيفي للمستويات المعيشية المتردية للمواطنين البحرينيين ربما في الدول الإفريقية الجنوبية، فلايزال السؤال المطروح من عقود عن مكمن الخلل في إكمال عناصر المعادلة الاقتصادية الرئيسية ومحاولة التوفيق بينها قدر المستطاع واردا!
كما هو السؤال عن صلاحية تلك اللعبة القدرية التي حبس المواطن البحريني في أجزائها وأخذ يسير في الساحات عاريا وحافيا معيشيا وعلى رأسه تاج من الرخاء والنمو والازدهار الاقتصادي، وجعلته يتميز عن نظرائه في دول المنطقة بقرحة أكثر من كونها قريحة سياسية مازالت تنز أملا وتنضح قيحا طائفيا طائشا من دون توقف!
فمثل تلك القرحة السياسية شاء لها أن تتربى في كبد المواطن البحريني لا في وعيه وعقله بفضل أوضاعه المعيشية البائسة التي ألهمت هذا المواطن أن يدمن على تناول خبز «التسييس» في منتبذ الطرقات الرطيبة حينما استعصى عليه قرض رغيف الاقتصاد الصحي مع ترافق الغياب الأسطوري لمائدة سياسية صحية تجمع جميع الأطراف والعناصر!
وفي حال غياب الرغيف الاقتصادي الصحي عن المائدة السياسية والتنفيذية للمواطن، فإن دعوة هذا المواطن إلى الابتعاد عن عوالم السياسة و «التسييس» والانشغال بأمر الإنجازات الاقتصادية وأمور التنمية والرفاهية والتخطيط المستقبلي ستكون أشبه بنصيحته بالالتهاء بأحوال وتصاريف الأبراج الفلكية ورموزها وما تكشف عنه من طالع سعيد أو خائب!
وإن كانت رواتب المواطنين البحرينيين في القطاع العام متدنية ومشكوكا في أن تسعفها الزيادات المتواضعة، التي سيحرم ديوان الخدمة المدنية تطبيقها بالتساوي على قطاعات عريضة من أبناء الشعب فيما يخالف ما جاء في الأمر السامي لجلالة الملك المفدى، بأي أثر انتعاشي معتبر وذلك أمام موجة الغلاء الفاحشة وارتفاع كلفة المعيشة، فإن حال المواطنين العاملين في القطاع الخاص لا تقل سوءا عن حال إخوتهم في القطاع العام، وإن كان الأخيرون موعودين إلى أن تشملهم هذه الزيادة الإنعاشية المتواضعة للراتب!
فاستثناء أبناء القطاع الخاص الذين يعانون من وطأة ساعات العمل المرهقة والمضنية من الزيادات في الرواتب التي ربما تساهم ولو مؤقتا وترقيعيا في دعمهم وإسنادهم معيشيا سيجعلهم كالمعتاد في أضيق دائرة وعزلة معيشية بعيدا عن سائر المواطنين، مضافا إليها عزلتهم الاجتماعية المتنامية بفعل ساعات وأوقات الدوام المرهقة والمضنية التي تستهلكهم حتى الآخر، ومثل ذلك الواقع المرير لأبناء القطاع الخاص أمام هجرات الزيادات وترحالها من فوقهم دونما استقرار يتنافى من دون شك مع الخيار الاستراتيجي المتمثل في جعل العمل في القطاع الخاص أمرا محبذا للمواطن البحريني الذي لم يتم تمكينه اقتصاديا وبالأحرى معيشيا!
فهل بتنا في حاجة ماسة إلى تطبيع استراتيجي وجوهري بين المواطن البحريني وعناصر المعادلة الاقتصادية الوطنية، التي لابد أن يشكل هذا المواطن بمطالبه المعيشية الحقوقية أحد أقطابها الرئيسية أخذا بحكم الفطرة الاقتصادية السليمة والموضوعية!
فمن دونه ومن دونهما معا لن تتم أية ممارسة اقتصادية وطنية فاعلة على الأصعدة البحرينية كافة، اللهم سوى ممارسات الإثراء الخاص والسريع!
فكما تتعزز سلطة الدولة الوطنية بتحقيق الوحدة الوطنية المنسجمة بين أطرافها وعناصرها وكوادرها كافة لا تشتيتهم وتمزيقهم طائفيا، تتعزز سلطتها الاقتصادية بتحقيق أمثل العلاقات الصحية وأكثرها نموذجية بين مواردها الوطنية ومطالب وأحوال مواطنيها المعيشية لا استثنائهم المغامر منها، وما خلاف تلك المبدئيات إلا أحوال دويلات الاحتلال والاستبداد!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ