ضمن مسئولياتها المجتمعية والتزاماتها البيئية قامت أحدى المؤسسات اليابانية الصناعية المنتشرة عالميا (شركة زجاج أساهي) بإنشاء صندوق بحثي (صندوق زجاج أساهي) يقوم سنويا ومنذ العام 1992 بإجراء استبانة عالمية بشأن البيئة بعنوان «المشكلات البيئية وبقاء البشرية». ويتم في هذه الاستبانة استطلاع آراء عدد كبير من الأشخاص من مختلف مناطق العالم ومن مختلف مواقع العمل الحكومية وغير الحكومية والصناعية والأكاديمية بشأن القضايا البيئية الملحة التي تواجه البشرية في العالم وأولياتها. وكما هو معروف في مجال دراسات استطلاع الرأي فإن الاستبانات تمثل أحد الأدوات البحثية المستخدمة بكثرة في الدراسات المتعلقة بجمع المعلومات بسبب سهولتها وقلة كلفها مقارنة بأنواع المسوحات الأخرى، وإذا ما تم عملها بإتقان وبعدد كبير من المشاركين لتقليل نسبة الخطأ، يمكنها أن تعطي معلومات مفيدة عن الموضوع تحت البحث.
ويتم في إصدار كل عام نشر نتائج الاستبانة من حيث أهم القضايا البيئية، وكذلك القضايا المتقاطعة معها مثل الفقر والنمو السكاني وأنماط الاستهلاك، التي تواجه العالم عموما والخاصة بمناطق العالم المختلفة، ومستوى الإجراءات المتخذة للتخفيف من هذه المشكلات. كما يتم من خلال الاستبانة تتبع التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف خطة العمل الخاصة بأجندة القرن الحادي والعشرين، التي تم تبنيها في مؤتمر قمة الأرض (البيئة والتنمية) المنعقد في ريو دي جانيرو في العام 1992. بالإضافة إلى ذلك، يتم من خلال الاستبانة تحديد مستوى الوعي العالمي بالأزمة البيئية التي يمر بها العالم على هيئة توقيت زمني أطلق عليها ساعة القيامة البيئية (Environmental Doomsday Clock)، يتم فيه قياس مستوى القلق العام في العالم ومساواته بمجال للوقت يبدأ من الساعة 0:00 وينتهي في الساعة 12:00، بحيث كلما زاد القلق العام بالنسبة لقضايا البيئة كلما دنت ساعة النهاية (أي الساعة 12:00).
ولقد أسفرت نتائج الاستبانة للعام 2006 عن الكثير من النتائج المهمة التي تلقي الضوء على كل من القضايا العالمية والمحلية وتقيس اتجاهات التغير فيها وتعتبر مفيدة لصناع القرار ذوي العلاقة بشئون البيئة وكذلك المختصين والعاملين في مجال البيئة، كما يمكن بنظرة سريعة على نتائج التقرير الحصول على نظرة شاملة عن الكثير من القضايا البيئية والحلول المطروحة لمواجهتها وقياس التقدم المحرز في ذلك. ففي مجال التقدم المحرز نحو تحقيق خطة العمل الخاصة بأجندة القرن الحادي والعشرين والتي تشمل 10 بنود رئيسة، تبين الاستبانة أنه وبشكل عام حصل مجال «تشجيع وتعزيز التعليم البيئي» على أعلى نسب التقدم 75 في المئة، بينما حصل «تعديل أسلوب الحياة» أقل النسب في التقدم 17 في المئة، كما حصلت مجالات «أنشطة الحكومات والمجتمع المدني» و«الإجراءات البيئية في الصناعة» و«المساهمة العلمية والتقنية» وإنشاء أنظمة التدوير» على نسب عالية نسبيا في مجال التقدم المحرز (أكثر من 50 في المئة)، مقارنة بمجالات «المحافظة على موارد الغابات» و«إجراءات الحد من غازات الدفيئة» والمحافظة والتنوع الحيوي» و«مشكلات السكان/ الفقر».
وفي مجال القضايا والمشكلات البيئية الرئيسة في العالم، فلقد احتلت قضية التغير المناخي سلم أوليات هذه القضايا، إذ صوت أكثر من 70 في المئة من الذين شاركوا في الاستبانة في هذه القضية معتبرينها من القضايا الخطيرة والملحة والتي تتطلب التدخل الفوري. وعن الآثار المتوقعة للتغير المناخي أختار المشاركون «تزايد معدل الاضطرابات الحادة للمناخ» واختفاء الجزر والمناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر» وتغير الأنظمة الحيوية» كأهم التأثيرات المتوقعة لهذه الظاهرة. كما أتفق عدد كبير من المشاركين 60 في المئة على أن اتفاق كيوتو للحد من الإنبعاثات الغازية غير كاف للحد من هذه الظاهرة، وبأن هناك ضرورة لتطبيق اتفاقات إضافية في هذا المجال.
أما في حالة قضية «الفقر» كمشكلة بيئية عالمية، فلقد انقسم المشاركون في الاستبانة ما بين «أن الوضع الحالي للفقر يمكن إصلاحه» و«أن الفقر سيزداد مقارنة بالوضع الحالي». أما بالنسبة للخطوات والإجراءات التي تم اتخاذها للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها، فلقد أجمع المشاركون بعدم وجود تقدم يذكر في هذا المجال، كما أتفق معظم المشاركين على أن أسباب الفقر هي «النمو السكاني» و«الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية» و«التناقض القائم بين الشمال والجنوب».
أما بالنسبة لمشكلات «الطاقة» فلقد كانت القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة للدول المتقدمة هي «الاستهلاك العالي للطاقة»، تلتها قضية «عدم التوازن في مصادر الطاقة المستخدمة»، بينما شكلت قضيتي «الكلف العالية للطاقة» و«الاستخدام غير الكافي لمصادر الطاقة المتجددة» الهاجس الأكبر للدول النامية. وعندما تم سؤال المشاركين عن استعدادهم لإجراء تغيرات على المستوى الشخصي في مجال استهلاك الطاقة، أبدت نسبة كبيرة من المشاركين 83 في المئة للدول المتقدمة و57 في المئة للدول النامية عن استعدادها لعمل ذلك بنسب تخفيض من 20-50 في المئة من الاستهلاك الحالي. وعن مصادر الطاقة البديلة للوقود الإحفوري احتلت الطاقة الشمسية 37 في المئة الخيار الأول تلتها الطاقة النووية 20 في المئة.
وفي قضية «المحافظة وإعادة تأهيل الأنظمة الحيوية والتنوع الحيوي» فلقد تم اختيار قضايا «تناقص وتدهور الموائل الحيوية» و«الآثار السلبية للملوثات الناتجة عن الأنشطة الإنسانية» و«تناقص الأجناس»، في هذا الترتيب من الأهمية، كأهم القضايا والمشكلات الملحة في هذا المجال. واختارت نسبة كبيرة من المشاركين «استخدام الأراضي غير المقيد» و«الاستهلاك المفرط للمواد الكيميائية وصرفها» كأحد أهم الأسباب لتدمير الأنظمة البيئية وتدهور التنوع الحيوي. وعن التقدم المحرز في مجال المحافظة على الأنظمة الحيوية والتنوع الحيوي انقسم المشاركون في الاستبيان، إذ رأى 39 في المئة عدم تحقق أي تقدم يذكر في هذا المجال، غالبيتهم من الدول المتقدمة، بينما رأى 31 في المئة منهم بوجود بعض التقدم.
أما بالنسبة لمشكلة النمو السكاني في العالم فلقد صوتت نسبة كبيرة من الذين شاركوا في الاستبانة أكثر من 70 في المئة على أن الانفجار السكاني في الدول النامية هو من القضايا الملحة التي يجب حلها، وارتأت نسبة كبيرة منهم بأن من أهم التأثيرات السلبية للنمو السكاني هي «تسارع معدل الفقر» و«تدمير البيئة الطبيعية»، وأنقسم المشاركون في الاستبانة بشأن التقدم الحاصل في سبيل حل هذه المشكلة إذ رأى 40 في المئة منهم عدم تحقق أي تقدم يذكر في هذا المجال، غالبيتهم من الدول المتقدمة، بينما رأى 37 في المئة منهم بوجود بعض التقدم.
وفي القسم الأخير من نتائج الاستبانة تم تحديد القضايا والمشكلات البيئية الرئيسية لكل منطقة من مناطق العالم المختلفة، وفي منطقة الشرق الأوسط احتلت قضايا «إدارة المخلفات» و«البيئة الجضرية/المواصلات» و«التصحر وتدهور نوعية التربة»، بهذا الترتيب، أوليات القضايا البيئية التي تواجه دول هذه المنطقة. وفي مجال «إدارة المخلفات» أختار المشاركون «المخلفات المنزلية» و«المخلفات الصناعية» على أنها المخلفات الرئيسة التي تتطلب وضع التعامل معها على سلم أوليات دولهم، وبأن لها تأثيرات سلبية خطيرة على الصحة ورفاه الإنسان. أما بالنسبة لعملية تدوير المخلفات وإعادة استخدامها فلقد رأى المشاركون أن هذه العملية قد بدأت أخيرا في المنطقة، إلا أن حجم الاستجابة للتعامل مع المشكلات الناتجة عن المخلفات يعتبر معدوما إلى متواضع.
وفي مجال مشكلات «البيئة الحضرية» فقد اختار معظم المشاركين مشكلتي «زيادة المخلفات الناتجة عن البيئة الحضرية» و«قطاع المواصلات» كأهم المشكلات التي تواجه دول المنطقة. وفي مجال المواصلات احتلت قضايا «الاختناقات المرورية بسبب ضعف البنية التحتية وزيادة أعداد المركبات» و«عدم كفاءة وتدني نوعية المواصلات العامة» و«تلوث الهواء والضوضاء» قائمة المشكلات التي تواجه هذه الدول. أما في ما يتعلق بالتقدم الذي تم تحقيقه في هذه الدول للتغلب على هذه المشكلات فقد رأى غالبية المشاركين في الاستبانة 71 في المئة بأن التقدم يتراوح من معدوم إلى متواضع.
أما بالنسبة للقضية الثالثة التي تواجه دول الشرق الأوسط، أي التصحر وتدهور نوعية التربة، فقد تم تحديد «نقص المياه وتدهور نوعيتها» و«تملح مياه الري والتربة» و«التنمية العشوائية» كأهم أسباب التصحر الناتجة بفعل الإنسان، وتتطلب حلولا عاجلة لحل هذه المشكلة، وأن انخفاض الإنتاج الزراعي هو أهم النتائج المباشرة لهذه العملية. أما بالنسبة للتقدم فلقد زادت نسبة الذين يرون انعدام التقدم 48 في المئة عن الذين يرون حدوث التقدم 35 في المئة في مواجهة هذه المشكلة.
ولقد أسفر الاستبانة للعام 2006 عن زيادة في توقيت ساعة القيامة البيئية بمقدار 12 دقيقة، حيث كان المتوسط 9:17 مقارنة بـ 9:05 في العام السابق (2005)، كما تبين أن المشاركين في الاستبيان من منطقة الشرق الأوسط هم الأكثر قلقا من بين مناطق العالم، بينما كانت منطقة غرب وشرق أوروبا أقلها قلقا (9:07). ويلاحظ أنه منذ بدء الاستبانة في العام 1992 تقدمت عقارب الساعة باستمرار، إذ كانت الساعة في أول عام من الاستبانة، أي العام 1992، تشير إلى 7:49، ويعني ذلك بأن هناك وعي وقلق عالمي متزايد بالنسبة لقضايا البيئة ومشكلاتها. أما عن الظروف البيئية التي أدت إلى القلق فقد كانت، بحسب الأهمية، مشكلة تغير المناخ العالمي، التصحر وتدهور الغابات وخسارة التنوع الحيوي، ونقص المياه وإنتاج الغذاء.
في ضوء التدهور البيئي المتزايد الذي تمر به دول المجلس، بسبب تسارع النمو السكاني والتنمية الحضرية والصناعية، فإن هذه الدول قد تكون بحاجة ماسة للقيام بهذا النوع من الاستبانات المستمرة للقضايا البيئية التي تواجهها لتوفير وتوضيح الصورة المطلوبة لصناع القرار والمسئولين وكذلك المواطنين، ولإلقاء الضوء على الجوانب المتعددة للقضايا البيئية والحلول المطروحة لحلها وجدواها والتقدم المحرز في حلها، للمساهمة في إنشاء مجتمع موجه بيئيا في دول المجلس. وفي هذا المجال قد تكون الأمانة العامة لمجلس التعاون (أو أي جهة إقليمية أخرى معنية بقضايا البيئة مثل مركز الخليج للأبحاث أو جامعة الخليج العربي)، الجهة المناسبة للقيام بهذه الاستبانات، كما يمكن تمويل هذا النوع من الدراسات قليلة الكلف نسبيا من القطاع الخاص، وخصوصا القطاع الصناعي.
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ