«إن يد المحاسبة ستطال أي وزير يثبت تورطه في قضايا الفساد (...) وإننا مصممون أكثر من أي وقت مضى على مواجهة أي فساد أو إساءة لاستخدام المنصب العام (...) ثقوا تماما يا إخوان أن حملة مواجهة الفساد لن تستثني أحدا».
تلك كانت مقاطع من حديث سمو ولي العهد في مجلس الوزير منصور بن رجب أول الأسبوع الجاري، بحضور عدد من المسئولين والمواطنين، وهو حديث ما أحوج البحرين إليه خصوصا وأنه تزامن مع الكشف عن قضايا فساد في أكثر من موقع.
الفساد يأكل التطور والنمو والتقدم والازدهار كما تأكل النار الحطب، وهو آفة التنمية بمختلف أنواعها، حتى وإن وصل برميل النفط إلى 800 دولار وليس 80 دولارا فحسب، من هنا يأتي حديث سمو ولي العهد حاجة ملحة في بلد سرح ومرح فيه عدد لا بأس به من المسئولين الخاوية صدورهم من الضمائر في «شفط» المال العام «شفطا» من وراء مكاتبهم العامة التي يديرون من خلالها ثرواتهم الخاصة التي جمعوها تحت مسماهم الوظيفي، من دون أن تتحرك مطارق القضاء في حق أحد منهم، ومن دون أن تفتح القضبان ذراعيها لاحتضان أحد منهم فأصبحوا آمنين من العقوبة فأساءوا الأدب.
حديث سمو ولي العهد عن الفساد وعن ضرورة محاصرة أقطابه، ومحاسبة أربابه، ليس دخانا من دون نار، فسموه يدرك جيدا أن كثيرا من كراسي المناصب العامة تتناثر من جوانبها كروش أتخمها الثراء غير المشروع، ويدرك سموه أن في وزارات الدولة ومؤسساتها رؤوس قد أينعت وحان قطافها.
كثيرة هي طرق محاصرة الفساد، ولكنها للأسف مجمدة في ثلاجة الأموات تحتاج إلى صهر تحت نار عالية، ومن بين تلك الطرق المحاسبة البرلمانية التي فشلت أو أُفشلت منذ بدء ولادة التجربة النيابية في إسقاط مسئول فاسد واحد من على منصة منصبه، كبيرا كان ذلك المسئول أو حتى صغيرا، «حرسونا» أو «هامورا» فهل أننا أدركنا المدينة الفاضلة؟ وكل مسئولينا أنقى من النقاء، وأصفى من الصفاء، وأشرف من الشرف؟ وهو أمر نقضه تصريح سمو ولي العهد عندما قال «إننا مصممون أكثر من أي وقت مضى على مواجهة أي فساد أو إساءة لاستخدام المنصب العام» ما يعني أن الفساد مستشر في أكثر من موقع, والقضاء على هذا الفساد يحتاج إلى تصميم «أكثر من أي وقت مضى» حتى تتساقط الأوراق العفنة، قبل أن تأتي على باقي الشجرة فتسقطها ميتة لا حراك فيها.
التصميم الذي قطع شريطه سمو ولي العهد على مواجهة الفساد يجب أن ينجح، ويجب أن يفعل، ويجب أن تدرك الجهات المختصة أنها معنية بالتنفيذ عاجلا لا آجلا، لا أن تغطي تلك الجهات جرائم الكبار بهفوات الصغار، وتتستر على كبائر «الهوامير» بصغائر «الحراسين» فسمو ولي العهد أرادها حملة لا تستثني أحدا.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ