لعل أكثر الشخصيات التاريخية التي تتصدر الأعمال الدرامية في رمضان هذا العام هي شخصية أحمد بن فضلان في رحلته المشهورة إلي بلاد الترك والخرز والصقالبة والروس واسكندنافيا في القرن العاشر الميلادي الذي أرسله إليها الخليفة العباسي المقتدر بالله .
هذه الشخصية التاريخية الرائعة التي تطل علينا في مسلسل «سقف العالم» هي رائعة أخرى من روائع مسلسلات المخرج السوري نجدت أنزور، وذلك في مقاربة موثقة لمجتمع الشماليين البدائيين( الفايكننغ) من خلال تجربة ابن فضلان مع مملكة روثغار في بلاد الدانز و نظرتهم إزاء العرب المسلمين في الفترة التي قضاها ابن فضلان معهم بين عامي 922 و924م.
ابن فضلان الذي هو أحمد ابن العباس ابن رشيد ابن حماد كتب عن رحلته في مخطوط عربي قديم منذ نحو ألف عام عن مشاهدات ومغامرات عايشها مع أقوام وبلدان مختلفة كانت تعيش في اضمحلال انعكس على أسلوب علاقاتها الإنسانية و حتى على معتقداتها المبنية على الدجل والشعوذة وأخرى في ممارسات قريبة من الحيوان، وهي حقيقة لا ينكرها الأوروبيون الشماليون لاسيما أن الشاهد الوحيد على هذه العادات الوثنية التي وثقت عن أسلافهم وأجدادهم هي رحلة ابن فضلان ومخطوطه الذي ترجم فيما بعد إلى مختلف اللغات الأوروبية وعلى رأسها السويدية والدنماركية التي مازالت موجودة في مكتباتهم حتى اليوم.
وهذا ما حدا بالمستشرق ميشيل كريشتون، أحد محققي ومترجمي بعض أجزاء مخطوط ابن فضلان إلى اللغة الإنجليزية ، أن يقول في مقدمته للطبعة الإنجليزية « لقد كانت بغداد ، مدينة السلام في القرن العاشر ، أكثر مدن الكرة الأرضية حضارة ، لقد كان عرب بغداد مسلمين ، وقفوا أنفسهم بشدة لهذا الدين، ولكنهم كانوا منفتحين على شعوب تختلف عنهم في المظهر والمسلك والعقيدة. وفي الواقع، كان العرب في ذلك الزمان أقل الشعوب إقليمية، وهذا ما جعلهم شهودا أفذاذا للثقافات الأجنبية».
هذا الكلام كان حقيقة في تلك الحقبة التاريخية وهو ما يحاول « سقف العالم « قوله في رسالته إلى الغرب، وتحديدا إلى الدنماركيين أحفاد الوثنيين الفاينكغ في رد حضاري موثق بعمل فني راق يرد على تطاول الدنماركيين على مقدسات المسلمين والنبي محمد (ص)،عبر الرسومات الكاريكاتيرية بحجة حرية التعبير. ومذكرا في الوقت نفسه رسالة اخرى إلى العرب والمسلمين وكيف كانوا في الماضي مستندا بذلك إلى مخطوط ابن فضلان الذي يطرح في المسلسل عبر فصول رسالة دكتوراه تكتبها طالبة عربية في جامعة كوبنهاغن وترفض إجراء تعديل بنّاء على طلب أستاذها بسبب العنوان الذي يمثل مقارنة بين واقع الناس في عاصمة الدولة الإسلامية التي كانت في أوج ازدهارها آنذاك وعاصمة الدنماركيين التي كانت بدائية ووثنية.
بقي أن نقول أن ابن فضلان شاهد آخر لتاريخ بين العرب والأوربيين... هذا التاريخ الشائب بصراعات كثيرة على مر الزمن وقد يكون « سقف العالم» محاولة درامية لتسليط الضوء على محور ربما تناساه العرب وتغاضى عنه الاوروبيون.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ