وعندما ننتقل إلى الحال في البلاد العربية سنجد أن الاستعدادات شبه غائبة لمواجهة هذه الجرائم، أو أنها لاتزال في مراحلها الجنينية على رغم تفشي هذه الظاهرة. هذا ما تؤكده دراسة ماجستير قام بها قبل عامين العقيد محمد عبدالله منشاوي تناولت جرائم الإنترنت في أحد المجتمعات الخليجية بالدراسة والتحليل، وأكد أن ما نسبته 5.6 في المئة من مستخدمي شبكة الإنترنت قاموا باختراق المواقع الحكومية، و5.3 قاموا باختراق المواقع التجارية في ذلك البلد.
هذه الحال الجنينية يؤكدها ما جاء في المقابلة التي أجرتها الاعلامية هالة المصراتي مع رئيس الجمعية العربية لقانون الانترنت وصاحب اكبر مجموعة مؤلفات عربية في قانون الانترنت عمر محمد بن يونس والمنشورة على الموقع
(http://www.middle-east-online.com/technology/?id=52135 ).
يقول بن يونس «تشريعات الانترنت العربية النافذة اليوم لن يتم تطبيقها بالصورة التي يمكنها ان تتفاعل مع الانترنت وفق الاتجاه الوظيفي، ولن يستطيع العالم العربي الاعتماد على هذه التشريعات كواجهة تنقله نقلة صحيحة للحضور في المجتمع الدولي. ولأجل ذلك لا نسمع عن تأثير التشريعات العربية في المجتمع الدولي. حتى اجتماعات مجلس وزراء العدل والداخلية العرب وهو يناقش احد موضوعات الساعة الجريمة الافتراضية اتخذ من الاتفاق الاوروبي نموذجا ولم يتخذ المجلس العربي المذكور من أي من التشريعات العربية نموذجا».
هذا القصور التشريعي تحدده بشكل أكثر وضوحا رسالة علي الطوالبة في التفتيش على جرائم الحاسوب من جامعة عمان العربية للدراسات العليا في الأردن. ويشير الطوالبة في دراسته إلى «أنه لم تصدر أية تشريعات خاصة بجرائم الحاسوب والإنترنت على النطاق الإقليمي العربي بما فيها الأردن ولا على الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة هذه الجرائم على رغم صدور عدد من التشريعات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية والصناعية التي تضمنت النص على برنامج الحاسوب واعتبرته من ضمن المصنفات المحمية في القانون.
لكن يبدو أن اتجاها عربيا متناميا يسعى للوصول إلى إطار نظري يتبلور في نظام تشريعي يتصدى لجرائم الإنترنت. ففي أبريل/ نيسان 2007 افتتح وزير العدل الأردني شريف الزعبي في فندق الأردن ندوة «مكافحة جرائم الإنترنت» أقامتها وزارة الشئون الخارجية الفرنسية والسفارة الفرنسية في عمان بالتعاون مع وزارتي العدل الفرنسية والأردنية. واشتملت الدورة، التي استمرت لثلاثة أيام، على عدد من أوراق العمل المتعلقة بمكافحة جرائم الإنترنت، والمنطق الدولي حيالها، والصكوك الدولية التي تحدثت عنها خصوصا في الدول الثمانِ الكبار، مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي وتبحث الندوة التعاون الشرطي من خلال البوليس الدولي ـ الانتربول واليوروبول لمكافحة هذه الجرائم.
وناقشت الندوة صلاحيات القضاء الوطني وألاهلية القانونية والقانون القابل للتطبيق حيال هذه الجرائم ، كما درست كيفية التوفيق بين مكافحة جرائم الإنترنت واحترام الحقوق والحريات اضافة الى الروابط بين جرائم الإنترنت والأشكال الأخرى للجريمة، وعلاقة جرائم الإنترنت بتبييض الأموال واثرها في الاعتداءات على الكرامة الإنسانية (تجارة الرقيق، الإباحية المتعلقة بالأطفال، بيع البشر).
ويبدو أن باريس تولي الموضوع أهمية بالغة، ففي القاهرة وفي شهر يونيو/ حزيران 2007، نظمت وزارة العدل المصرية بالتعاون مع السفارة الفرنسية بالقاهرة ندوة عن سبل «مكافحة جرائم الإنترنت». وناقش المشاركون على مدى ثلاثة أيام القانون الدولي في مكافحة جرائم الإنترنت والتعامل معها والصكوك الدولية والتعاون الشرطي في هذا المجال بالإضافة إلى سبل تحريم ومتابعة جرائم الإنترنت بتناول آليات التحقق من الأدلة والبحث عنها وكيفية متابعة هذه الظواهر وأية صلاحيات للقضاء الوطني وأي قانون قابل للتطبيق وأية أهلية قانونية.
وفي مطلع العام 2007 أعلنت الجمعية المصرية لمكافحة جرائم المعلوماتية والإنترنت اعتزامها تنظيم 15 ندوة ومؤتمرا لمواجهة جرائم الإنترنت والمعلوماتية والتعريف بالتعليم الإلكتروني وتعظيم الاستثمار السياحي في نظم السياحة الإلكترونية ضمن برنامج نشاطها العملي لعام 2007.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية المستشار محمد الألفي إنه وسط الانفجار المعلوماتي الذي نشهده الآن والذي هو ثمرة المزاوجة بين تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا الحاسب الآلي انتهت الجمعية من وضع برنامج علمي وتثقيفي شامل خلال عام 2007 على مستوى الوطن العربي يشمل 15 ندوة ومؤتمرا منها ندوة أساسيات وتطبيقات التعليم الإلكتروني في العالم العربي وندوة المسئولية القانونية عن جرائم الاعتداء على بطاقات الائتمان والاستخدام غير المشروع لها.
من الواضح جدا أن جرائم الإنترنت قد وصلت إلى البلاد العربية، وبالتالي بات مطلوبا من أجهزة الأمن العربية أن تواجه هذا التحدي وتطور قدراتها وتحدث برامجها للقضاء أو للحد من مثل هذه الجرائم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ