في شهر رمضان بدأنا نشهد جهودا مباركة لمكافحة الفساد بشكل جاد من خلال إحالة مسئولين في شركات كبرى مثل «ألبا» و «أسري» إلى النيابة العامة بتهمة الفساد، ويعتبر ذلك أمرا جديدا في البحرين، إذ تعوَّدنا على عدم معاقبة أي شخص في القطاع العام أو في الشركات المملوكة للدولة يتهم بالفساد، وتعوَّدنا أن نتعايش مع الفساد وكأنه قدر مكتوب علينا، كما تعوَّدنا أن نسمع الكثير ونرى الشواهد الكثيرة ولكن من دون أن يحرك أحد ساكنا.
ما حدث في الفترة الأخيرة يعتبر مؤشرا نحو الأفضل. وبالتأكيد، فإن المؤشرات الدولية عن الشفافية ومكافحة الفساد سترفع مرتبة البحرين بعد أن أنزلتها درجات عدة في السنوات الأخيرة. ولقد كانت المفاجأة أن المسئولين الذين اتهموا بممارسة الفساد تم تحويلهم فعلا إلى النيابة العامة، وبدأ التحقيق معهم، وأوقف بعضهم على ذمة التحقيق. وفي الوقت الذي لا نود أن نرفع من سقف توقعاتنا كثيرا لكيلا يخيب ظن الناس، كما حدث قبل خمس سنوات بشأن ممارسات فاسدة وصلت إلى النيابة العامة ثم ماتت إلى الأبد، فإننا نرى فعلا شيئا من الجدية المختلفة عن السابق هذه المرة.
بادئ ذي بدء، فإن الشركتين المذكورتين أعلاه تأتيان تحت صلاحية شركة «ممتلكات» التي أنشئت قبل عام لكي تدير أصول وأسهم الحكومة في الشركات الكبرى. وهذه تأتي في النهاية تحت إشراف سمو ولي العهد (رئيس مجلس التنمية الاقتصادية) الذي أشاد أمس الأول لوكالة أنباء البحرين «بالجهود التي قامت بها شركة ممتلكات البحرين القابضة في كشف التجاوزات المالية الأخيرة بشركة ألمنيوم البحرين (ألبا) وتقديم المتسببين فيها إلى القضاء العادل». وأكد ولي العهد «أن هذا التوجه لشركة ممتلكات تحقيق لتوجهات الإصلاح الاقتصادي الشامل وتأكيد لمرحلة جديدة وجادة نحو محاربة الفساد المالي أو الإداري أيا كان موقعه».
الغريب أن لدينا مؤسسات كبرى تشفط الأموال لعقود من الزمن، ويثرى من يتسلم مسئولية فيها، بينما يسجل عدد منها خسائر، أو أن أرباحها لا تعكس الواقع الفعلي، وشركة «أسري» لإصلاح السفن من الشركات التي كان من المفترض أنها تربح كثيرا منذ سنوات، ولكنها كانت تسجل الخسائر فيما عدا السنوات القليلة الماضية، وعندما سجلت أرباحا كانت قليلة، هذا في الوقت الذي تسجل فيه شركة مماثلة (أو كانت مماثلة سابقا في دبي) الأرباح الطائلة، ونعلم جميعاَ حجم الطلب على حركة السفن الناقلة للبضائع واحتياجات الصيانة والتصليح المصاحبة لذلك.
الحال لا تختلف في «طيران الخليج» التي شُفطت أموالها شفطا من دون رحمة، وآن الأوان لإيقاف الفساد المستشري فيها، وحسنا فعل مجلس الإدارة بتقديمه أحد المسئولين، ويترقب المراقبون تقديم المزيد من المسئولين عن الفساد إلى النيابة العامة، والأمل في أن نرى إحقاقا للعدل، بحيث يفرج عن البريء ولكن يسجن أو يغرم المذنب... كما أن أملنا ألا يُقدم البعض ضحايا من أجل حماية «هوامير» اعتبرت نفسها محصنة إلى الآن من العقاب.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ