لطالما كانت أيام هذا الشهر مميزة بكل ما فيها من تفاصيل، فشهر رمضان الكريم تاريخيا يحمل ما يميزه من روحانيات وطقوس تعبدية، تواصل اجتماعي وحتى علمي وثقافي ديني مميز. ما خلق من هذا الشهر محطة مهمة جدا في أيام السنة لدى كل شرائح المجتمع، خصوصا فيما يختص بالعلاقات الاجتماعية وما يتواجد بها من أحاديث وسهرات وموائد وتجمعات.
مع كل مظاهر التوحيد العبادية فإن لكل دولة عربية وإسلامية، لمسه خاصة توجدها في رمضانها، خصوصا فيما يختص بموائدها وأكلاتها وحلوياتها. فلا يعتبر الناس أن رمضان مر عليهم ما لم تعمر موائدها بالأطايب وتزدهر بالمشروبات والحلويات، ويستعد الصائمون لموائدهم قبل فترة بالمشتريات وبالمخططات لدعوات و عزائم و مأدب طعام.
فموائد بلاد الشام، سورية ولبنان وفلسطين... تتربع السلطات والتبولة، والشوربات، على عرش مقبلاتها. وتتنوع وجباتها الرئيسية على تنوع الأكلات، فمنها ما هو باللبن، ومنها محشي، ومنها نيء...، فتتشابه بالطابع العام للمائدة، وتختلف بالتفاصيل من مكونات وطرق طهي، وللعصائر الشعبية مكان مهم على الموائد بلاد الشام الرمضانية، فشراب قمر الدين، وعرق السوس، والتمر الهندي، خير راو لظمأ الصيام، أما الحلويات العربية المعدة بالسمن العربي كالكنافة والقطايف، والمبرومة وغيرها من الأسماء، والتي تفضل غالبية الأسر الآن جلبها من محلات الحلويات الشرقية، عوضا عن تحضيرها في المنزل، لصعوبة إعدادها، فإن السهرات الرمضانية لا تكتمل ما لم يتوافر فيها من ألوان الحلويات ما لذا وطاب.
وإذا ما انتقلنا للموائد الخليجية، فعلى رغم من تقاربها أيضا في الطريقة العامة لإعدادها، فإن لكل بلد خليجي، طابع ووجبات خاصة تميزه عن غيره، بل إن الموائد الرمضانية قد تختلف من مدينة لأخرى في البلد نفسه. ويبقى التمر هو سيد الموقف فيها بجانب ما يطلق عليه محليا بالثريد، فلا رمضان من دون تمر وبلح يساعد الصائم على قضاء ساعات صومه، وعلى رغم أن الكثير من الوجبات الشعبية مازالت تعد في رمضان، بل يمكن القول إنها تعد حصريا في رمضان، وإن قدمت في غيره، فالكثيرون يجدون أنها لا توازي نكهة ما يعد في هذا الشهر الكريم، على رغم هذه الوجبات الأساسية والرائجة، فإن الموائد الخليجية باتت اليوم تقدم وجبات مستوردة من دول مجاورة أو حتى من وراء البحار، وخصوصا أن الفضائيات العربية تخصص كم كبير من برامج الطبخ في فترة رمضان، وتنوع فيه الوصفات، وطرق الإعداد.
أما موائد أرض النيل، فكثيرا ما سمعنا عنها ورأيناها من خلال الدراما المصرية التي عرضت هذا الجانب من ثقافتها لسنوات وسنوات، (فالكوشري) والفول والفراخ (الدجاج المحمر)، لعلها من أبرز الأسماء التي سمعنا بها عن وجبات المصريين، وملامح رمضان و تقاليده تظهر بوضوح أكبر في الأحياء الشعبية، بالفوانيس، والزينة، والطابع العام الذي يطغى على جو هذه الأماكن، ما يجعل لرمضان نكهة جدا مميزة في مصر.
ولا تبتعد دول المغرب العربي كثيرا عن شقيقاتها من الدول العربية، فالكوسكوسي التونسي، والحريرة، وكعب الغزال المغربي، وأكلات قد تصعب على سكان المشرق العربي نطق أسمائها، وجبات تزين الموائد الرمضانية بالإضافة لمجموعة من المقبلات والحلويات الأخرى، ومن يظن أن المغرب العربي بعيد عن عادات المشرق في رمضان فيمكنه تبديد هذا الاعتقاد بالنظر إلى وحدة الموائد والعادات الرمضانية، فالكثيرون يعتقدون أن حضور عادات هذا الشهر الإسلامية والأصيلة، لا يقل حضورها عن حضورها في بقية الدول العربية الأخرى.
رمضان شهر من سنة تزخر بأحداثه تجمع المسلمين، من أعياد وتذكارات، واحتفالات، لكل حدث فيها نكها خاصة عند شعوبنا، تجتمع فيها حول بعضها بعضا، تعيش من خلالها حدثا واحدا، فمسلمو الصين، ومسلمو اليمن، وأهل المشرق والمغرب، جميعهم يجتمعون على أمر واحد، فرح و طقس واحد، لعله يخفف عنهم فرقتهم. وينسيهم هموم أيامهم.
العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ