العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ

نطق الرويبضة في نبوءة خاتم الأنبياء

هشاشات القرن 21...(2)

سيد كامل الهاشمي comments [at] alwasatnews.com

جاء في آخر حديث إلى رسول الله (ص) عن أشراط وعلامات الساعة قوله لسلمان: «يا سلمان عندها يتكلم الرويبضة»، فقال: وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال (ص): يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 6، ص 309).

وفي تفسير كلمة الرويبضة قال الشريف الرضي: «قالوا في الرويبضة: هو امرؤ السوء التافه، وقالوا هو الفويسق الخامل» (المجازات النبوية، الشريف الرضي، ص 150-151)، وقال العلامة المجلسي بعد إيراده الحديث المتقدم: «وقال الجزري: في حديث أشراط الساعة أن ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والرويبضة تصغير الرابضة وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة، والتافه: الحقير الخسيس» (بحار الأنوار، ج 6، ص 310).

وروى أحمد في مسنده ج 2، ص 291 «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): انها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة».

وفي مجمع الزوائد ج 7، ص 330 روى الهيثمي «عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله: يكون أمام الدجال سنون خوادع يكثر فيها المطر ويقل فيها النبت ويكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: يا رسول الله: وما الرويبضة؟ قال: من لا يؤبه له»، وعنه أيضا في ص 248 «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): إن أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الفاسق يتكلم في أمر العامة»، وبالنص والمعنى نفسه رواه الطبراني في مسند الشاميين ج1، ص 51.

وأما محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجة فقد رواه في سننه ج 2، ص 1339-1340 «عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه في أمر العامة»، وكذا تحدث ابن حجر في فتح الباري ج 13، ص 73 قائلا: «وفيه قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»، ويبدو أن كلمة «يتكلم» سقطت سهوا من سنن ابن ماجة بعد كلمة «التافه» كما دلالة رواية المتقي الهندي للحديث في كنز العمال ج 14، ص 216-217 بها.

وأخيرا روى أبو بعلي الموصلي الحديث في مسنده ج6، ص 378، «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: إن بين يدي الساعة سنين خوادعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة، قالوا: يا رسول الله: وما الرويبضة؟ قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة».

وهذه الروايات كلها تنبئ عن مستقبل الحكم السياسي ومجريات الشئون والأمور العامة في آخر الزمان وأنها ستكون تحت سلطة وسيطرة الرجل الرويبضة، الذي فسّر تارة بالخامل الذكر، وتارة بالتافه، وتارة بالفاسق والفويسق، وتارة بالحقير ومن لا يؤبه له، وكل هذه الألفاظ تشير إلى معنى واحد أضحى تمثل اليوم ظاهرة صارخة وملفتة للعيان تسمى في الفكر السياسي بـ «عودة الأبله» وعرضت لها مجلة Foreign Policy في عددها لمايو/ أيار - يونيو/ حزيران 2007.

المبتدأ والخبر في أحوال

ممالك السفهاء من بني البشر

قال رسول الله (ص): «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 74، ص 139).

تبدو هذه الكلمة كوصفة علاجية تحدّد الشرائط اللازمة لتحقق الأمن السياسي والاستقرار الاجتماعي، وهي الوضعية التي إذا وجدت كانت الأرض محلا لتحقيق سيرورة إنسانية متطورة ومترقية ومتكاملة، وإذا فقدت أصبحت الدنيا ساحة عراك وتضارب وتقاتل وفساد، ومن الواضح أن الدين يربط وجود هذه الوضعية وفقدانها بإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو إماتتها وإهمالها، وهو ما صرّحت به الكثير من النصوص الدينية كما في قوله (ص): «لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» (ن م، ج 90، ص 378)، وفي الخبر «عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم دعاؤكم» (ن م، ج 97، ص 77).

وانطلاقا من هذا الربط بين ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبروز ممالك الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي نعي أن هذه الفريضة المهمة لم تكن مجرّد ضرورة دينية فحسب، بل هي ضرورة عقلائية لضبط الأوضاع السياسية والاجتماعية والأخلاقية في الاجتماع البشري، حتى لو لم يكن اجتماعا دينيا بالمفهوم الضيق للاجتماع الديني، وها نحن اليوم، وفي عصر الديمقراطيات العريقة وانتشار مفاهيم حقوق الإنسان والمواطن نجد الاستبداد والظلم والقهر تتأصل أكثر وأكثر في المجال السياسي والحقوقي، لتكشف عن فشل ذريع يطال هذا المجال، حتى أن مجلة Foreign Policy في عددها لمايو2007 رصدت استحكام هذه الظاهرة عبر عودة جديدة لها خصوصا في دول أميركا اللاتينية، وفي بداية المقال الذي كان بعنوان «عودة الأبله» تحدث الكاتب ألفارو فارغاس ليوسا قائلا: «على مدى القرن العشرين، لوح القادة الشعبويون في أميركا اللاتينية برايات الماركسية، وتهجموا على الإمبرياليين الأجانب، ووعدوا بانتشال شعوبهم من الفقر. لكن تبين أن سياساتهم الإيديولوجية، الواحدة تلو الأخرى، كانت غير فعالة وغير مجدية على المدى البعيد. أدى فشلهم إلى تراجع مؤقت للرجل القوي. لكن الآن يحاول جيل جديد من القادة الذين ينتحلون صفة الثورية إحياء طرق أسلافهم الضالة».

ولكن حال دول وأنظمة أميركا اللاتينية لا تكشف إلا جزءا يسيرا من حالة الهشاشة السياسية التي تعيشها معظم، بل أكثر الأنظمة السياسية الحاكمة في عالمنا المعاصر، وحتى القوة العظمى اليوم التي استفردت بالهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية على عالمنا المعاصر هي هشة من الداخل إلى الحد الذي يقول عنها جاك أتالي: «ستواصل الولايات المتحدة انحطاطها النسبي، حتى لو بقيت طويلا القوة العظمى الأولى في العالم» (جاك أتالي: معجم القرن الـ 21، ص 210).

ويضيف في الحديث عنها قائلا: «إن الهدر الاقتصادي والبشري ما يزال كبيرا فيها: فالإجرام فيها أرفع بعشر مرات من أوروبا. ويكسب من الأكثر فقرا فيها، معدلا أدنى من ربع متوسط الدخل. وستتفاقم اللامساواة الاجتماعية، فأكثر من 47 مليون شخص يقبعون من دون حماية اجتماعية. اعتبارا من 1970، بدأ يتناقص عدد الذين يتابعون تعليمهم العالي، في صفوف فئات الأعمار الجديدة» (ن م).

إقرأ أيضا لـ "سيد كامل الهاشمي"

العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً