هي المرة الأولى في تاريخ الشعر، التي لا يرتبط فيها مسمى أمير الشعراء بتخالفات وتناقضات العملية النقدية، أو بخصائص الإستقبال لدى الجمهور العربي وظروفها، أو حتى عبر عمق المنتوج الشعري وتاريخيته ومحيطه الثقافي. هي المرة الأولى، التي تصبح فيها «إمرة الشعر» مرتبطة بلعبة «الهاتف»، والمجاملات لـ «الدول»، إنتهى عهد شعراء الخلفاء، وجاء عهد شعراء الدول الغنية.
ترف المال في دول الخليج، خصوصا في فضائياتها ولعبة «ترشيح» الجمهور، أبدعا هذه المرة إبداعا تخريبيا مميزا، فالمواطنون العرب من أصحاب القدرة على إجراء المكالمات الهاتفية من دون حد باتوا لا يختارون أميرهم في الشعر وحسب، بل أمير الشعراء أيضا. وبغض النظر عمن فاز، ومن خسر. تبدو العملية من أساسها مدعاة للسخرية، لمن شارك، ولمن قيم، ولمن صوت أيضا.
الألقاب التي بات الإعلام الخليجي يطلقها جزافا عبر برامجه المليونية في محطات التلفزة، أصبحت آخر أدوات العبث بالثقافة، والمثقفين. هكذا تنحدر الثقافة تحت المال وتصويت الهاتف المضاعف «العمولة»، أصبح الخليجي «الثري» تحديدا المسئول عن تحديد الأفضل/ الصحيح/ الأجمل/ الأروع في الغناء والرقص، واليوم هو المسئول عن تحديد أمير الشعراء، وغدا ستتطور المهمة ليحدد الخليجي الثري أمير الرواية العربية، وأمير القصة.
الخليجيون يخطئون ثاني أخطاءهم التاريخية، بسبب النفط أيضا. زادت أسعار النفط، الذي اختلف هذه المرة، هو أن العبث هذه المرة اختص بالثقافة. وهو عبث خطير، لو كانوا يعلمون.
هل هي عودة جديدة للعهد العباسي في الشعر، هذا إن بقي شعر أو شعراء في هذا الزمان أصلا... ربما.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ