العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ

في الذكرى الخامسة: «الوسط»... شيئا مختلفا

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في البدء جاءت الكلمة لتبدد الصمت البشري، وكانت الأداة الوحيدة للاتصال بين الإنسان والآخر، ومن ثم كانت الكلمة المكتوبة، لتصبح قادرة على الانطلاق من محدودية الجغرافيا إلى عالم أوسع، عالم لا يحدها فيه مكان ولا زمان، لذلك لعبت الصحافة دورا بارزا ومهما في التأثير على الرأي العام، إذ أصبحت مصدرا للخبر، ومرآة عاكسة لواقع المجتمع والسائد فيه، وعلى رغم ما يزخر به عالمنا اليوم من صحافة متعددة، لكننا دوما نتساءل عن أية صحافة نريد.

تعرف الصحيفة في اللغة العربية بأنها المادة التي يكتب فيها، وجمعها صحف وصحائف، وورد لفظها في القران الكريم: «إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى» (الأعلى:19) أي الصحف المكتوبة المنزلة عليهما، عرف تاريخنا الإسلامي أول صحائفه بصحيفة «قريش» وهي صحيفة «مقاطعة بني هاشم» في السنة السابعة للبعثة النبوية، إذ وقع على هذه الصحيفة أربعون رجلا من وجوه قريش، وختموها بأختامهم، وعلقت هذه الوثيقة في الكعبة، بشروط قاسية وملزمة لكل قريش وأتباعها، وهي: «ألا يبايعوا بني هاشم ولا يشاوروهم، ولا يحدثوهم، ولا يجتمعوا معهم، ولا ينكحوهم ولا يقضوا لهم حاجة ولا يعاملوهم حتى يدفع بنو هاشم إليهم محمدا فيقتلوه، أو يخلوا بينهم وبينه، أو ينتهي من تسفيه أحلامهم»، ظلت هذه صحيفة عالقة بالذهن العربي بصورتها المزعجة لما تمثله من إيذاء مجحف لنبي الأمة محمد (ص) ومن آمن معه من جانب ومن جانب آخر لارتباطها بقريش وموقفهم من الدعوة الإسلامية.

لقد ظلت صدور العرب مركزا لحفظ الأخبار وترديدها فترة من الزمن، إذ انتشرت بينهم مقولة «من لم يشتغل بالشعر فليشتغل بالرواية»، لكن العالم العربي عرف الصحافة بمفهومها الحديثة من حملة نابليون بونابرت على مصر، إذ شاهد المصريون الأوراق المطبوعة بأيدي الجنود الفرنسيين، فجاءت صحيفة «الوقائع» كأول صحيفة عربية تصدر من القاهرة العام 1798 على يد محمد علي، تلتها صحيفة «الأهرام» (1887)، وبدأت تنتشر الصحافة في الوطن العربي، ففي الجزائر أصدرت صحيفة «المبشر» العام 1847 وكانت باللغة الفرنسية، وفي لبنان حديقة الأخبار العام 1858، وفي تونس الرائد التونسي (1860)، وفي سورية صحيفة سورية (1865)، وفي العراق، صحيفة «الزوراء» (1869)، وفي فلسطين صدرت صحيفة «النفير» (1908م)، والأردن صحيفة «الحق يعلو» (1920). أما في الخليج العربي فقد صدرت أول صحيفة «رسمية» في المملكة العربية السعودية باسم صحيفة «القبلة» ثم غير اسمها إلى صحيفة «أم القرى» العام 1924 وفي الكويت صدرت صحيفة «الكويت» العام 1928.

أما في البحرين، فقد ظهرت الصحافة بمفهومها الحديث على يد الأديب الشاعر عبدالله الزايد، حين أصدر العدد الأوّل من صحيفته «البحرين» في مارس/ آذار من العام 1939. وكانت تباع بقيمة آنة واحدة، والاشتراك السنوي مقداره أربع روبيات داخل البحرين وعشر روبيات خارجها، أما التوجه الذي سلكته الصحيفة فيؤكد الزايد في افتتاحية العدد الأول ذلك بقوله: «لقد صممت على جعل هذه الجريدة حرة لا تستعبد لأحد كائنا من كان، وصريحة لا تعرف الرياء ولا للنفاق، ستقول الأبيض انه أبيض، وعن الأسود انه أسود... وأخيرا لن يكون لها قلب ينبض بغير حب العروبة والوطن، فإن عاشت فلهما وإن ماتت ففي سبيلهما». لم تستمر الصحيفة طويلا، إذ توقفت عن الصدور بعد خمس سنوات من تأسيسها، بسبب أزمة الورق، بعدها أصدرت حكومة البحرين صحيفتها الرسمية العام 1948، التي تعنى بالقرارات الحكومية الصادرة، اما صحف الخمسينات البحرينية كالقافلة (1952)، الخميلة (1952)، الوطن ( 1955)، الميزان (1955)، الخليج (1955)، الخليج العربي (1956)، الشعلة( 1956)، فقد تميزت بالخطاب القومي، وبث روح النضال ضد الاستعمار الانجليزي، الأمر الذي أدى الى إغلاقها العام 1956، لم تستعد الصحافة البحرينية عافيتها في الستينات على رغم صدور صحيفة «الأضواء» الأسبوعية التي صدرت في العام 1965.

مع الحركة الإصلاحية التي قادها جلالة ملك البحرين، برزت صحيفة «الوسط» لتقدم للمجتمع البحريني صحافة بعيدة عن النمطية السائدة، وبعيدة عن الدعاية السياسية، صحافة رأي وخبر، ففي الوقت الذي تعطي الصحف للخبر حيزا كبيرا، أعطت «الوسط» للرأي والتحليل حيزا اكبر منه، لقد اختارت «الوسط» أن تكون بحق سلطة رابعة، عرفت كيفية إدارة المعرفة، إذ استطاعت حيث فشل الآخرون أن تخرج من المعلومات شيئا مميزا، إذ الناس حقا يحبون المعلومات الفاعلة، والأكثر من ذلك أنهم يحصلون على رضا كبير من إجراء تحليلات «ماذا يحدث إذا» و«ما سيكون»، فلذلك لم تتعامل «الوسط» مع المعلومات على أنها ساكنة إنما ستتحرك يوما إلى واقع ما، ذلك الواقع الذي يجب أن يتعامل مع المتلقي بصدق دونما استغفال او تجيير نحو وجهة واحدة، واقع فرضته «الوسط» على عالم الصحافة، إذ ارتأت أن يساهم المواطن في بناء الوطن من دون تحيز أو تهاون، وان مطالبته بالحقوق جزء من مواطنته، فلذلك حفزت الناس نحو المطالبة بالحقوق إذ فتحت لهم الأبواب، وهذا دافع كبير نحو التغيير، فهي قادرة على التكيف السريع والمستديم لكي تستطيع الصمود، بل هي قادرة على الإجابة على الأسئلة الصعبة في الزمن الصعب.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً