العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ

التعلُّم عن أميركا من الخارج

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

سافرت هذا الصيف إلى تايلند وماليزيا وسنغافورة وأستراليا، وهي جزء من العالم نادرا ما يراه الأميركيون في الأخبار أو يزورونه شخصيا.

لقد زودتني المسافة بوجهة نظر جديدة أنظر من خلالها إلى بلدي، وساعدتني لأدرك أنه على رغم شعور متباعد ومنتشر بالأهمية، وعلى رغم سياسة خارجية قصيرة النظر، هناك صفات حميدة كثيرة تدعو إلى الفخر: عطشنا إلى الابتكار والتحسين وراحتنا الفلسفية لكوننا أميركيين وحريتنا الاقتصادية وتحركنا المستمر إلى الأعلى وأرض تتمتع بجمال طبيعي أخاذ ومترامي الأطراف، وقضاء نشط مفعم بالحيوية ودستور يبقى ذا علاقة على رغم مرور أكثر من مئتي سنة على كتابته.

طبعا يُعتبر تعريف صفات البلد بالجيدة أو السيئة أمرا بالغ التبسيط، فهناك حوارات مضادة شرعية جدا لكل مادة من مواد القائمة أعلاه، فالابتكار لا يعود بالفائدة على الجميع، كما لا يستطيع الجميع التمتع بشكل كامل بالهويات المزدوجة أو العمل بحرية. والأمر الأكثر وضوحا هو أن دستورنا يبقى عرضة للهجوم من قبل دعاة الخوف والرهاب لفترة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر.

إلا أن قوة أميركا الحقيقية، أكثر من أية سمة فعلية كالقوة العسكرية أو الاقتصادية الهائلة على سبيل المثال، تنشأ من كونها رمزا للإمكانات والاحتمالات للشعوب حول العالم. المثير للدهشة، كما اكتشفت من أسفاري حول العالم، أنه حتى ولا المغامرة الفاشلة اللاخلاقية في العراق تستطيع أن تدمر هذا المصدر غير الملموس للقوة.

الوقت الذي قضيته في ألور ستار يُبرِز هذه النقطة. ألور ستار مدينة في شمال ماليزيا لا تعطي الزائر سببا كافيا ليبقى. إنها مدينة محافِظة بشكل يدعو للراحة، إذ يلبس معظم الرجال والنساء اللباس المسلم التقليدي وتبيع الكثير من المحلات التجارية البضائع الإسلامية، وتقدم جميع المطاعم تقريبا اللحم الحلال (المعدّ بحسب الشريعة الإسلامية)، ويصدح صوت المؤذن خمس مرات كل يوم داعيا للصلاة عبر المدينة.

هنا، قبل أي مكان آخر، لم أبذل أي جهد لإخفاء جنسيتي الأميركية. إذا سئلت أقول الحقيقة. كانت العيون تضيء بنور خافت عندما أذكر أنني من نيويورك «وهي أقرب مدينة معروفة إلى البلدة التي ولدت فيها في ولاية كونيتيكت»، ولم أشعر مرة واحدة بعدم الراحة أو عدم القبول. بل على العكس، في الواقع. أول سؤال كانت تطرحه النساء من عمري هو «هل عندك صديقة؟».

حتى عند زيارتي مسجد زاهر، المسجد المركزي الجميل في ألور ستار أثناء صلاة العصر يوم الجمعة، تركني المصلون من دون تدخل وتمنوا لي رحلة مأمونة. جميع الذين قابلتهم كانوا مهتمين أكثر بمشاركتي في ثقافتهم أكثر من ذمّ ثقافتي.

لم يكن ذلك مستغربا. لم أواجه في يوم من الأيام مشكلة في أسفاري حول العالم كأميركي أو كيهودي. المخاوف التي يفرضها الكثيرون في وسائل الإعلام علينا مبالغ فيها إلى أبعد الحدود. لسوء الحظ، ولأن 26 في المئة فقط من الأميركيين يحملون جوازات سفر بحسب مقال نشر في «النيويورك تايمز»، لا يفهم معظم مواطني الدولة العظمى الوحيدة العالم إلا من خلال هذا المنظور الضيق.

ليست المشكلة بعدم السفر فقط اننا نفشل في فهم الآخرين، ولكننا نفشل كذلك في فهم أنفسنا. النفسية الأميركية، المتمثلة بالرئيس تزدري الضعف، وباستطاعتها تدمير الأسطورة الذاتية الاستدامة بأن بإمكاننا أن نفعل أي شيء. ولكن من خلال أفكار محدوديتنا فإننا نفقد بعض قوانا كذلك.

وفي ماليزيا كذلك، وهذه المرة في قرية صغيرة في غابة استوائية عمرها 130 مليون سنة أدركت أن باستطاعة أميركا، من بين جميع القوى الغربية، أن تجسد بأفضل صورة الهوة بين «نحن وهم». وقد يبدو ذلك غير متناغم مع واقع وسعت أميركا من خلاله، عبر طرحها وأفعالها، تلك الهوة.

أقمت في تلك القرية في نزل مع ثلاثة من الأوروبيين، يقع بالقرب من مسجد. في الخامسة صباحا انطلق صوت أذان الفجر عبر الهواء الرطب.

لم يفهم زملائي الضيوف الأمر. لم يغضبوا أو يقللوا من احترامهم، ولكنهم لم يستطيعوا فهم لماذا يستيقظ أحد ليصلي قبل الفجر «أو حتى في أي وقت». واجهت الشعور نفسه مرات كثيرة عندما سافرت عبر أوروبا قبل سنتين.

طبعا يبقى الإسلام غريبا ومخيفا بالنسبة إلى الكثير من الأميركيين. ولكن كدولة نحن نفهم ما يعني أن يلعب الإيمان دورا مركزيا في حياتنا. وفي هذا المجال، لا يختلف ما يسمى بمجتمعنا العلماني كثيرا عما يسمى بالمجتمعات التي تتمحور حول الدين في العالم الإسلامي.

علينا أن نستفيد من هذه الميزة الأميركية القيمة. بدلا من محاولة خداع الدين وعزله، بغض النظر عما إذا كان يهوديا أو مسيحيا أو إسلاميا، يجب علينا أن نستخدم الدين كأسلوب لفهم بعضنا بعضا.

المحزن أن الحديث عن محمد (ص) يعرّض المتحدث لخطر أن يُتّهم بعدم الحداثة ومعاداة الديمقراطية والتطرف، تماما مثلما يتعرض شخص يتحدث عن السيد المسيح لأن يُنظَر إليه على أنه يشجع المصالح اليمينية. تنزع الغالبية المعتدلة بدلا من ذلك إلى استخدام الدين كعامل مساعد للنمو الشخصي والإرشاد بدلا من تشجيع المصالح السياسية.

يجب عدم تجاهل الدين أو معاملته كرياضة تنافسية. لا تستطيع السكوت على أمر له أهمية كبرى للكثير من الناس حول العالم. يحتاج القادة السياسيون والدينيون إلى أن يعتنقوا حوار الديانات الذي يقوي الأمور المتماثلة ويحترم الفروقات، وفي الوقت نفسه عدم تشجيع فكرة أن لأحد احتكارا على الله تعالى، وهو هدف الكثير من الذين يتفاخرون بحماستهم الدينية.

لقد أوضح لي سفري خارج الولايات المتحدة أنه على رغم اختلاف الأمور المحددة بين الديانات فإن التفاني للعائلة والتقاليد والإيمان بالخالق العظيم هي أمور عالمية. أميركا جادة فيما يتعلق بالله تعالى، وكذلك العالم الإسلامي، ويجب أن تكون تلك هي نقطة البداية عندنا.

* طالب يدرس الصحافة في السنة الرابعة بكلية إمرسون في بوسطن والمقال ينشر في إطار «وجهات نظر الشباب» وبالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً