العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ

الحرب من منظور نيتشه

«ان المساواة مع العدو هي الشرط الأول لنزال شريف، وحيثما يوجد مجال للاحتقار لا يمكن للمرء أن يخوض حربا».

نيتشه

الإنسان المحارب، فوضوي، قليل الحياء، متآمر على الواقع الافتراضي، شرس في التفاوض، وكثيرا، ما يسلك معايير مزدوجة في السلم والحرب. هو بطبعه، مغامر مرن، ومهيأ لخوض غمار المؤامرات، بالطبع، ففي لعبة الخداع والمراوغة التي غالبا ما تنبأ بالتخريب المبتكر والتخريب العبثي يكون الإنسان وحده صانع الحروب، وخالق السلوك الثوري.

يقول نيتشه: «أن يكون الواحد قادرا على المعاداة، أن يكون عدوا، يتطلب التمتع بطبع قوي، وعلى أية حال فإن ذلك أمر مقترن بكل طبيعة قوية، إذ هذه الأخيرة تحتاج إلى مقاومة، ولذلك تبحث لها عن مقاومة: النزوع العدواني ينتمي بنفس الموجب الضروري إلى القوة، كما تنتمي مشاعر الضغينة والنزوع إلى الانتقام إلى الضعف».

ولكي يتبلور «النزوع العدواني»، لابد من إثارة الفوضى والمشاحنات بين جماعات الضغط السياسية، أو بين الدول ذات السيادة المطلقة، أو بين نخبة من المثقفين، والتي تظهر للوهلة الأولى، باستنهاض العنف الفكري والصراع الأيديولوجي والجيوسياسي، وتحويل الخلافات الشائكة إلى حروب فعلية محبوكة البنية.

والحرب ضد نفسها، تؤول إلى تسميات عدة، فهناك حرب الإرادات، وحرب العقول، وحرب الإنسان، وحرب الكلمات، وحرب الأقوياء، وحرب أكثر من طرف، قد تكون الحرب عرقية، طائفية، أو عقائدية، وهكذا دواليك.

وتعتبر الحرب الوسائطية، نوعا آخر من الحروب الحديثة، ويعزو ذلك إلى التطور التكنولوجي والتقدم العلمي في فنون الحرب النفسية والإعلامية واستخدام الشعارات وتبجيل الخطابات وتشكيل الأفكار وفق منظومة معينة، ووفق غرض دعائي مسيس، يسفر عن خلخلة نظام الخصم، واستنفار حالة من اللاتوازن. والغاية من وراء ذلك ليس الانتصار على العوائق بصفة عامة بل فرض السيطرة على تلك التي تستوجب منازلتها استدعاء وتوظيف كل الطاقات، وكل البراعات وكل الفنون الحربية، أي على خصم ندَ. بحسب رأي نيتشه.

سيكولوجية الحروب، نادرا، ما تعكس مفردات بحثية للنضال، والفداء، والشهادة، والقتال من أجل مبدأ ما. لذلك تأتي التعبئة النفسية في المرتبة الأولى، لتهيأ المحارب قبيل وقوع الحرب، إلا إن الوسائل الدعائية الأخرى مثل الإشاعة تحدو منحنى آخر في التظليل وتضبيب العقول أي كان اتجاهها ووسيلتها، وكذلك الإيهام والتمويه، والخداع ، والتشهير، وإذكاء الخلافات.

يقول نيتشه «إن ممارستى الحربية تتخلص في أربعة مبادئ: أولا: لا أهاجم إلا ما هو مجلبة للنصر. ثانيا: لا أهاجم إلا ما هو حليف لي عليه، حيث أقف وحيدا في المعركة، وحيث لا أورط إلا نفسي. ثالثا: لا أهاجم البتة الأشخاص كأشخاص، بل أستعمل الأشخاص كزجاج مكبر يمكن للمرء بواسطته أن يجعل كارثة عمومية مراوغة ومستترة ومستعصية على الإدراك أمرا مرئيا واضحا للعيان. رابعا: لا أهاجم ألا ما هو خال من كل خلاف شخصي ومن كل خلفيات التجارب السيئة». وضمن كل هذا الهجوم النيتشوي، فإنه في الوقت نفسه «دليل على التقدير، وفي بعض الأحيان اعتراف بالجميل!».

هدير البقالي

العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:21 ص

      نيتشه فيلسوف التناقض

      على الرغم من الأفكار المتطرفة لنيتشه التي ساهمت في صنع شخصية هتلر وساهمت في الحروب والنزعة الألمانية العنصرية في تلك الفترة الا انني معجب بطريقته في النقد لأنه لا يتقيد بايديولوجيات أو أفكار متوارثه بل ينقد ويتفلسف بالمطرقة كما يقول .

اقرأ ايضاً